ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الأربعاء، 14 مارس 2018

صورة من قريب: مواجهة مع المستشار طارق البشرى


# لجنة تعديل الدستور التي تشكلت بعد ثورة يناير لم تكن إخوانية بل كانت تضم كبار رجال القضاء والقانون في مصر.
# كنت منحازا إلى الديمقراطية ، وبعض دعاة الحرية أرادوا تشكيل لجنة يعينها المجلس العسكري لوضع الدستور الجديد!! عجائب.
# هذه أسباب انتكاسة ثورة يناير.
# معلومات لا تعرفها وتفاصيل حياة المستشار البشري.
# هذه الإيجابيات أخذتها عن والدي وجدي شيخ الأزهر.
# سألته عن شريكة العمر فرد في كلمتين : إنها صديقتي.

المستشار طارق البشرى من الشخصيات المرموقة في بلادي يحظى بإحترام واسع من كافة الاتجاهات ، وأراه جمع بين الحسنيين ، فهو رجل قانون من الطراز الأول ، ومؤرخ تاريخي قدم الكثير عن تاريخ مصر الحديث ، وهو قاضي غير تقليدي ولا يعرف العزلة عن الدنيا مثل بقية زملاءه بحجة المحافظة على العدالة والحياد بين الخصوم، والمستشار البشري حريص على هذه المعاني ومع ذلك ترى بصماته في حياتنا السياسية وأكبر دليل على ذلك أن المجلس العسكري أختاره بعد ثورتنا المجيدة لتعديل بعض مواد دستور عام 1971 على رأس لجنة قانونية لهذا الغرض.

     (إخواني في اللجنة.. لماذا؟)

ومن هذه النقطة بدأت حواري معه قائلا : هذه اللجنة متهمة بانحيازها إلى الإخوان بدليل وجود صبحي صالح القيادي الإخواني البارز بين صفوفها.
أجاب بابتسامة تدل على الثقة بالنفس قائلا : لجنة تعديل الدستور تشكلت في 13 فبراير عام 2011 واستغرق عملها عشرة أيام لتعديل بعض مواد دستور عام 1971 أشار إليها المجلس العسكري. ورأيت تشكيل اللجنة يناسبني فقبلت رئاستها وإلا لقدمت اعتذاري، وكانت تتكون من ثلاثة من أساتذة الحقوق وثلاثة آخرين أعضاء في المحكمة الدستورية وأعرفهم جيدا.
وعن صبحي صالح يقول المستشار البشري : لم أكن أعرفه والذي اقترحه على المجلس العسكري المستشار حسن بدراوي زميلنا عضو المحكمة الدستورية ، وشغل من قبل مدير إدارة التشريع بوزارة العدل وكان على أتصال وثيق باللجنة التشريعية بالبرلمان ومن أبرز أعضاءها صبحي صالح ، ورأى انضمامه للجنة تعديل الدستور سيكون أمر مفيد وهذا ما حدث بالفعل! وعمله معنا لا ينفي كونها لجنة قانونية من طراز مرموق.. والجدير بالذكر أنه كان معنا المستشار "ماهر سامي" وهو مصري قبطي بارع في مجاله وعضو المحكمة الدستورية العليا.

    (وكان انحيازنا إلى الديمقراطية!)    

قلت له : والاتهام الثاني الموجه إلى اللجنة، احداث انقسام عميق بين الثوار عندما فضلت إجراء انتخابات للبرلمان قبل وضع دستور جديد للبلاد.
أجاب : الأمر لم يكن بهذا الشكل ، كان انحيازنا واضحا منذ بداية عملنا للديمقراطية ، واقترحنا وضع دستور جديد ، ولم يكن هذا الأمر من مطالب المجلس العسكري ، لكننا استطعنا اقناعهم به ونجحنا بوضعه في صلب الإستفتاء ، وتحدد لذلك ستة أشهر كحد أقصى.
وأضاف قائلا : وانحيازنا إلى الديمقراطية هو الذي جعلنا نرفض أن يشكل المجلس العسكري لجنة لوضع الدستور ، بل كان من الطبيعي أن تتم انتخابات البرلمان أولا ثم يختار جمعية تأسيسية تقوم بوضع الدستور مع الاستعانة بكل الكفاءات والشخصيات العامة لإنجاز هذا العمل العظيم.. ولا أدري لماذا أعترض بعض التيارات السياسية على ذلك ؟ الغريب أن هؤلاء يزعمون أنهم من أنصار الحرية والديموقراطية ، واصرارهم على لجنة معينة من قبل المجلس العسكري فيه تناقض واضح مع ما يؤمنون به!!
"كلام من عندي": لعل السبب أن معظم هؤلاء لا شعبية لهم في الشارع المصري ويعلمون تماما أنهم لن يفوزوا إذا حاولوا الحصول على ثقة الشعب في الانتخابات البرلمانية.

   (ما الذي اوصلنا إلى هذا المأزق ؟) 

سألته : ترى ما أسباب سوء الحال الذي وصلنا إليه بعدما تم القضاء على الديمقراطية وحقوق الإنسان وكل الشعارات التي رفعتها ثورة يناير.. إنه مأزق حقيقي لا نعرف كيفية الخلاص منه!!
كانت إجابة المستشار طارق البشرى : أعتقد أن هناك أكثر من عامل أدى إلى انتكاس ثورة يناير أولها أن جهاز الدولة منذ عام 1954 عاش مؤسسة وحيدة لحكم البلاد لا تقبل أي شريك لها، وتتصدى بقوة لأي تنظيمات شعبية ليس عليها سلطان عليها وتعمل على اقتلاعها من جذورها، فهي مؤسسة قوامها التفرد والتوحد الكامل.
وأضاف قائلا : ويزيد الطين بلة العامل الآخر ويتمثل في عدم وجود تنظيمات شعبية مستقلة عن الدولة تستطيع أن تقف في وجهها وتؤثر في قراراتها، فلم يكن موجوداً سوى الإخوان ، وهم أساسا تنظيم دعوي وليست لهم خبرة سياسية ، وعندما قامت ثورة يناير لم يكن هناك قائد يجمع فصائلها فأدى ذلك إلى تشرزمها، ووقع الإخوان في أخطاء خاصة بعدما وصلوا إلى الحكم، ورأينا فصائل من التيار العلماني تتربص بهم وترفضهم من الأساس واستغلت قوى الدولة الاستبدادية كل هذه العوامل لإنهاء التجربة الديمقراطية القصيرة لهذه الثورة ليعود الاستبداد كأشد ما يكون، ولا تستطيع تبرئة أحد مما جرى ، الإخوان لم يقدروا الظروف السياسية خاصة وأن هناك من عمل على افشالهم والقوى المدنية تحالفت مع الاستبداد للإطاحة بالإخوان.

  (أخلاقيات أخذتها من جدي واسرتي)   

وانتقل حديثي مع رجل القانون الكبير والمؤرخ الكبير الذي ترك بصماته على مجتمعنا إلى حياته الخاصة وكيف تشكل طارق البشرى وابتسم أبتسامة واسعة كأنه يتذكر الزمن الجميل قائلا : نشأت في بيت جدي شيخ الأزهر سليم البشري الذي توفى في عام 1917م بينما أنا من مواليد 1 نوفمبر عام 1933، وكان هذا المنزل يقع في حلمية الزيتون ويضم عائلة جدي، ومكثت هناك ثمانية عشر عاما من أجمل أيام عمري، أعيش مع أسرتي واعمامي وعماتي، وارتديت عباءته وأنا صغير! ومنزلنا حاليا مدرسة تحمل اسمه.
والجدير بالذكر أن جدي تولى المشيخة مع بداية القرن العشرين الميلادي ، لكنه فصل منها عام 1904 بسبب تمسكه باستقلال الأزهر في مواجهة الخديوي عباس الثاني. وبعد استقالته حدثت فوضى ، وتولى ثلاثة من العلماء المشيخة خلال سنة واحدة ، واضطر الخديوي إلى إعادة جدي إلى منصبه وظل يرأس الأزهر حتى وفاته، ومات فقيرا رغم أموال الأزهر الطائلة، لكنه حرص على تربية أولاده جميعا أفضل تربية وتعليمهم، وأبناءه تسعة أولاد واثنين من البنات يعني 11 ما شاء الله ، وقد ورثت عنه وعن والدي صفات عدة من بينها الا تسعى وراء المال. أو المنصب وابذل جهدك في عملك بما يرضي ضميرك وتوكل على الله بعد ذلك ، وهو لن يقدر لك الا الخير.
وعن والده المستشار عبدالفتاح البشري يقول: كان أصغر أبناء شيخ الأزهر وتوفى مبكرا وأنا طالب بكلية الحقوق ، وانجب أربعة أبناء أنا أصغرهم ، أما والدتي فهي من أسرة تنتمي إلى الأزهر أيضا ورايناها رمزا للطيبة والحب لا تعرف البغضاء والكراهية حتى لمن أساء إليها وقد ورثت عنها تلك الصفة. 
  (اساتذتي الذين تأثرت بهم!)  
وعن اساتذته الذين تأثر بهم في حقوق القاهرة حيث مكث سنوات اربع بين عامي 1949 و 1953 قال أنهم أكثر من أستاذ الدكتور السعيد مصطفى السعيد في الجنائي ، والدكتور حشمت ابوستيت في القانون المدني وهو من تلاميذ السنهوري النجباء ومجموعة رائعة من أساتذة الشريعة الشيخ "علي خفيف" ومحمد ابوزهرة وعبدالوهاب خلاف والأخير كان تأثيره كبيرا حيث ربط عقلي بين القانون ومنهج أحوال الفقه وهو شرط للقانوني الجيد حيث منهج تفسير النصوص وتطبيق النصوص الثابتة على الواقع المتغير، فأحوال الفقه تجمع بين المرونة والانضباط معا، وربنا يرحم اساتذتي في الحقوق.

   (سر اهتمامي بالقضايا العامة.)   

سألته : لماذا لم تعمل بالمحاماه واخترت العمل في مجلس الدولة ؟
أجاب قائلا في صراحة: لم أتطلع يوما لان أكون محامي.. فتلك المهنة مع احترامي لها لا تناسب تكويني، فهي تتطلب علاقات واسعة وأنا بطبعي أميل إلى الهدوء والاستقرار والعزلة والعمل في صمت، ومجلس الدولة كان يأخذ الأوائل ، فتقدمت إليه بأوراقي وبدأت العمل هناك منذ سنة 1954 وحتى احالتي إلى المعاش عام 1998 تدرجت في مختلف المناصب حتى وصلت إلى نائب رئيس مجلس الدولة.
ويتذكر المستشار طارق البشرى رؤسائه في العمل من قيادات مجلس الدولة الذين يمثلون جيل الآباء بالنسبة إليه وربنا يرحمهم جميعا.. المستشارون عبدالعزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة بعد ذلك وسعيد خضير، وحسين حامد عوض، ووهبة البدوي.
قلت له : من يعمل بالقضاء لا يهتم الا بعمله فقط، فهو بطبعه إنسان يميل إلى العزلة، ولا يبدي رأيه في قضايا الوطن ومشاكل الوطن ولكنني أراك إنسان مختلف رغم أنك تميل إلى الانعزال في حياتك ومع ذلك لك بصمة واضحة في قضايا الوطن خاصة عندما كتبت عن تاريخ مصر الحديث فما الذي دفعك إلى ذلك ؟
أجاب بابتسامة النجاح: أهتمامي بالقضايا العامة عقب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، ولأول مرة بدأت في القراءة الحرة بعيدا عن مجالي، وقرأت كثيرا جدا بالفلسفة والاقتصاد والتاريخ الذي استهواني خاصة لدرجة أنني فكرت في الالتحاق بكلية الآداب ، لكن أوراقي ضاعت هناك!! وقرأت منهج التاريخ كله الذي يتم تدريسه بالجامعة واستوعبته تماما كما استوعبت من قبل الفلسفة والاقتصاد ، فقد كنت أقرأ بتعمق وتركيز، وقد قراءاتي المتعددة خاصة في التاريخ ، بدأت في النشر، وكان أول ما نشرته في مجلة الطليعة عام 1964 تحدثت فيه عن أهمية سنة 1946، وكان فيها انتفاضة شعبية رائعة ضد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي، وتوالت كتبي وكان آخرها "أوراق من ثورة يناير" التي تحدثت فيها عن لجنة تعديل الدستور التي كنت اراسها وانطباعي عن الثورة وما جرى بعدها.. وعدد الكتب التي اصدرتها 32 كتاب.
قلت له مداعبا:"ربنا يزيد ويبارك.. أمسك الخشب"!! وتوجهت إليه بسؤال : أراك شديد الاهتمام بالاقباط في كتاباتك.. فما السر في ذلك ؟
أجاب بتلقائية : أنهم جزء من تاريخ مصر ، واشرقت أبتسامة جديدة على وجهه وهو يقول : وهناك سبب آخر قد تتعجب له ففي عام 1969 قيل أن العذراء قد ظهرت في كنيسة الزيتون، فذهبت إلى هناك ولفت نظري جموع الأقباط الذين كانوا من مختلف الأشكال والألوان ، ومن هذا اليوم تضاعف أهتمامي بالمسيحيين في مصر ، وكنت أتردد على كنيسة الزيتون وزرت بعدها العديد من الاديرة والكنائس القديمة ، وذهبت إلى دار الكتب لقراءة المزيد عن تاريخهم خاصة في كتبهم القديمة التي لا تجدها الا هناك.

   (اتشرف بالانتماء للتيار الإسلامي)   

قلت له : أراك رمز من رموز التيار الإسلامي في بلادي.. وفي شبابك لم تكن كذلك.. فما الذي جرى ؟
أجاب بتلقائية : هذا أمر يشرفني ويسعدني..  وتحولي الحقيقي بدأ بعد كارثة الهزيمة عام 1967، ولم أكن وحدي، بل كان معي عدد من الشخصيات العامة البارزة أصحاب الإتجاه اليساري مثل عادل حسين والدكتور محمد عمارة والدكتور عبدالوهاب المسيري.. وسألنا أنفسنا عن سبب تلك المصيبة التي لم تكن متوقعة حيث كان عندنا تنمية واستقلال وطني حقيقي ، واقتصاد قوي وتعليم متقدم!  واكتشفنا غياب العامل الديني، وغيابه من الأسباب الأساسية لما أصابنا.. وبدأت في العودة إلى المرجعية الإسلامية ، وكثرت الكتب التي كنت أقراها في هذا الاتجاه ، وصلتي بالفقه وأحواله لم تنقطع.. لكن المعضلة الكبرى هي كيفية تنزيل تعاليم الإسلام على واقع حياتنا ، وللأسف ما زال النجاح قليل في هذا الموضوع.

  (زوجتي صديقتي!)   

وختمت حواري المطول معه قائلا : موضوعي معك عنوانه صورة من قريب وهي بالتأكيد لن تظهر واضحة وزي الفل الا إذا تحدثت عن شريكة العمر السيدة "عايدة محمود العزب موسى" وهذا هو اسمها بالكامل.
أبتسم أبتسامة جميلة تحية لها قائلا في تلقائية وبدون تفكير: إنها صديقتي.. وربنا يعطيها الصحة وطول العمر، وهي من أسرة صحفية ومتخصصة في الشئون الأفريقية ووالدها كان صحفيا وكذلك شقيقها، وقد أنجبت منها أجمل ما في حياتي أولادي عماد وزياد وعندي أربعة أحفاد ، وأبني "عماد" ينطبق عليه المثل القائل :"ابن الوز عوام" فهو في هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية ، وأما "زياد" فهو باش مهندس، وعندما أقول عن زوجتي أنها عزيزة جدا على نفسي فهذا يكفي للتعبير عن حبي الكبير لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق