لم أفهم كلام والدي رحمه الله عندما أهداني كتابها قائلا: إنها معجزة إنسانية بكل المقاييس ، لا يوجد مثلها إلا أقل القليل ، وعليك أن تفتخر بها.
وفي البداية أعتبرت كلام حبيبي أبي يدخل في دنيا العجائب ..
يعني إيه معجزة ؟؟
أليست مثل البشر العاديين ؟؟
وعندما قرأت سيرتها العطرة بالتفصيل قلت كلامه صح تماماً ..
معجزة وأي معجزة ..
وأول ما يدل على أنها إنسانة إستثنائية جداً جداً ، أنها نجحت وأصبحت من الشخصيات المرموقة في مصر ، رغم أنها غير مصرية ، بل من بلاد الشام ، ويزداد تقديرك وأحترامك لها لأنها وصلت إلى القمة في مجال الفن ثم الصحافة دون سند ولا معين ، فهي بالتعبير العامي "مقطوعة من شجرة" !!
لا أب ولا أم ولا أقارب حتى من الدرجة العاشرة ، وجاءت إلى مصر وهي طفلة يتيمة ووحيدة !!
واسمها بالكامل "فاطمة محمد محي الدين اليوسف" ولدت أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في طرابلس وتقع حاليا في لبنان ، وتوفت والدتها "جميلة" فور ولادتها وأبوها كان تاجراً لا يعرف الإستقرار فأعطاها لجيرانه ليحافظوا عليها مقابل مبلغ من المال !!
وللأسف كان هؤلاء أندال ..
فقد كانوا يعاملونها بقسوة ..
وتوفي الأب بعد فترة قصيرة ، وقرر هؤلاء الجيران الأندال التخلص منها ، فهي لم تعد تلزمهم !!
وكان لهم صديق مسافر الى البرازيل وأقنعوه أن يأخذ هذه الطفلة معه لتؤنسه في وحدته ..
وبالفعل تحركت الباخرة من ميناء بيروت في طريقها إلى أمريكا الجنوبية ، لكن في عرض البحر قرر المهاجر أن يعدل عن تلك الصحبة ..
ربما لأن البنت شقية وعفريتة !!
وهو يريد التفرغ لبناء نفسه في الغربة ..
وعندما وصلت المركب إلى ميناء الإسكندرية أهدى تلك الطفلة الى صديق له يعيش في أرض الكنانة أسمه "إسكندر فرح" صاحب فرقة مسرحية ..
وهكذا نشأت في بيئة فنية ..
وبالتأكيد واحدة زيها مصيرها إلى الضياع ، لكنها نجحت وتألقت ..
أليست معجزة ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(إنها معجزة أخلاقية)
وفي بيئة الفن عرفت باسم "روزاليوسف" بدلاً من إسمها الحقيقي "فاطمة اليوسف" ..
و"روز" باللغة الفرنسية تعني "وردة" وهي بالفعل كذلك ..
إسمها على مسمى ..
حلوة جذابة ومطمع لكل الرجال ..
ومع ذلك حافظت على نفسها رغم أنه لا يوجد لها ظهر يحميها ..
وحضرتك تعلم وأنا كمان أن الأخلاقيات في الوسط الفني"مش ولابد" ..
فيه فساد أخلاقي زائد شوية أو كتير عن أي مكان آخر !!
فإذا سقطت وهي تعيش في تلك البيئة فلا غرابة ..
بل الغريب والجدير بالأعجاب أن يحدث العكس ..
فقد أشتهرت بقوة شخصيتها وأن لها أظافر تنهش كل من يحاول المساس بها ..
ولذلك أراها معجزة أخلاقية تستحق تعظيم سلام !!
فلم ترد أن تلوث سمعة أسرتها وإسم عائلتها التي لم تشاهدها أبدا !
والملفت للنظر كذلك أنها أصرت على الإحتفاظ بإسم أسرتها الأصلي عندما اشتهرت باسم "روز" ..
وهكذا أصبح إسمها "روزاليوسف" ووالدها الذي لم تراه أسمه "محمد محي الدين اليوسف".
ويدخل في دنيا العجائب أن الدور المسرحي الذي لفت النظر إليها..
غريب جداً جداً ، فقد قامت بدور امرأة عجوز رغم أن عمرها كان أربعة عشر عاماً فقط !!
وذلك في مسرحية "عواطف البنين" ..
والسبب أن أستاذها في المسرح الذي تعلمت منه الكثير واسمه "عزيز عيد" لم يجد أي فنانة ترضى بالقيام بدور السيدة الطاعنة في السن !!
وكل واحدة تدعي أنها مازالت شابة رغم أن عمر الواحدة منهن أضعاف عمر "روزاليوسف" !!
ونجحت الطفلة الصغيرة في تأدية دور المرأة العجوز نجاحاً باهراً ..
وأراهن أن تلك الواقعة لم تحدث من قبل أبدا في تاريخ الفن ، وقامت بها فقط المعجزة الإنسانية "روزاليوسف" ..
وانتظرني في الحلقة القادمة بإذن الله مزيداً من المعجزات أرويها لك عن جدتي !