ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الجمعة، 19 سبتمبر 2025

عجائب عبد القدوس - توقعت الأسوأ وكانت مفاجأة حلوة !!



دوماً نعيش بالأمل خاصة إذا كانت هناك مشكلة في حياتك .. لا قدر الله .. أوعى تصاب بحالة إحباط ويأس لأن ربنا كبير قوي وقد تجد مفاجأة حلوة لا تخطر لك على بال .. 

وأوعى تظن أن هذا كلام نظري أو مواعظ ، لأنه يحدث في الواقع .. 


وهذه حكاية حقيقية حدثت لي أنا شخصياً .. توقعت مصيبة ثقيلة ، وفوجئت بعكسها تماماً .. حاجة حلوة قوي كان لها تأثير مهم في حياتي. 


وهذه الواقعة قديمة تاريخها إعتقالات سبتمبر عام ١٩٨١ .. كنت أيامها صحفي ناشئ والحمد لله أثبت وجودي في الصحافة بسرعة ، وصدر قرار بإعتقالي ضمن كوكبة من الصحفيين والشخصيات العامة ، وخليط من مختلف قوى المعارضة .. 

وقد أخبرتك الأسبوع الماضي أن القبض على العبد لله الذي هو أنا كانت مختلفة تماماً عما حدث مع غيري .. 

وبعدما أقتحمت الشرطة منزلنا حيث أسكن مع أهلي أصابت ضباط المباحث "خضة" .. فقد كان والدي رحمه الله موجوداً مع ضيوفه في سهرة ممتدة .. ولم تسكت ست الحبايب ربنا يرحمها على هذا الإقتحام ، فأعطت للضباط الثلاث الذين جاءوا للقبض على أبنها درساً في الأخلاق والأدب وأحترام حرمة المنازل .. 

وأراهن أن هذا لم يحدث من قبل مع أي شخص آخر حيث أصاب الضباط الوجوم والارتباك والخجل وهم دوماً السادة عندما يقومون بالقبض والتفتيش .. 

وقضيت عدة شهور في السجن وتنقلت بين عدة سجون منها "أبو زعبل" حيث الزنازين مغلقة تماماً لا تفتح إلا إستثناء ، والهدف قطع صلة السجين بالعالم الخارجي تماماً .. وكنت في عنبر مع غيري من سجناء الرأي وفي المكان دورة مياه وأتفقنا "لتنظيف التواليت" ورفض زملائي أن أفعل ذلك .. بحجة أنني إبن باشا وصحفي معروف وساكن بالزمالك وأبوك من علية القوم!! 

خللي هذه المهمة يقوم بها الناس الغلابة اللي زينا !!

لكنني رفضت بشدة هذا المنطق ، وقمت بمسح دورة المياه وجعلتها زي الفل لدرجة أن زملائي أبدوا إعجابهم بما فعلته .. إيه الشطارة دي! 


وأتذكر أننا كنا وقت المغرب وبعدها بدقائق نودي على أسمي في ميكروفون السجن أستعدادا للرحيل ، وأعترف لك أن القلق أصابني جداً وكمان جداً .. والسبب أن هناك عدد من السجناء غادروا السجن إلى مكان آخر تشرف عليه أمن الدولة مباشرة ويتم فيه إستجواب السجين لإنتزاع معلومات عن نشاطه وبالطبع يتعرض للضرب والتلطيش والبهدلة. 

وخفت أن أذهب إلى هذا المكان سيئ السمعة وهو سجن "إستقبال طرة"!! 

وسألت نفسي: ما هي المعلومات التي يريدونها مني .. أنا كل أوراقي مكشوفة وليس لي أي نشاط سري وإنما صحفي معارض وبس .. ترى هل أنال علقة بسبب هذه المعارضة .. أستر يا رب!! 


وأنطلقت بنا سيارة الشرطة .. وكان معي ثلاثة من السجناء وأنا رابعهم حتى وصلنا إلى المكان إياه .. وبعد فترة إنتظار كانت الأطول في حياتي .. تم فتح باب السيارة وأخذوا في مناداة الأسماء .. وكل من يسمع إسمه ينزل من السيارة وتتم كلبشته مع وضع قماش سميك محكم على عينيه ويتم إدخاله إلى السجن بعد ضربه على قفاه وشلوت محترم وسيل من الشتائم!! 

وهكذا غادرني الرفقاء الثلاث الذين صاحبوني من "أبي زعبل" .. وسألني الضابط وأنت أسمك إيه يا شاطر!! كلامه بسخرية .. وعندما ذكرت له اسمي أجاب: أسمك مش موجود معانا .. استنى لما تعرف هتروح في أي داهية ؟؟

وبعد فترة إنتظار أخرى هي الأطول في حياتي تحركت السيارة من جديد إلى السجن المجاور وهو إستقبال "مزرعة طرة" وهو مخصص لأهل السياسة والصحفيين وأساتذة الجامعات وكبار القوم من الذين تم القبض عليهم .. والمعاملة فيها مختلفة تماماً عما يجري في السجون الأخرى .. وكنت أظن أنني ذاهب إلى جحيم المعتقلات فإذا بي أجد نفسي في جنة السجون وأفضل سجن في مصر .. 

وفي اليوم التالي عندما علموا بوصولي أخذوني بالقبلات والأحضان .. وكان هؤلاء السياسيين يعاملوني قبل الإعتقال على أنني صحفي شاطر وبعدها أصبحت صديقا لهم جميعاً وهذا أفادني جداً في حياتي بعد ذلك .. وخرجت من السجن بصداقات وطيدة مع العديد من الشخصيات المرموقة مثل الأستاذ "هيكل" و"محمد سراج الدين" و"محمد فايق" وعشرات من الأسماء اللامعة في حياتنا في ذلك الوقت جمعها معارضتها للرئيس الراحل "أنور السادات" .. 


أنها مفاجأة لم تخطر على بالي أبدا .. توقعت مصيبة وفوجئت بالعكس تماماً .. لمكانة والدي وعملي كصحفي وجهود أسرتي في تحسين معاملتي أدت في النهاية إلى هذه النتيجة .. 

شكراً يا رب في كل الأحوال ودوما نعيش بالامل فيك.


محمد عبدالقدوس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق