ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الأربعاء، 14 يوليو 2021

حكايات إحسان عبد القدوس





كان يضع في إصبعه خاتماً له فص كبير من حجر "الفيروز الأزرق"، وكان يعتز بهذا الحجر ويتفائل به، لم يخلعه أبدا من فوق إصبعه، منذ أهداه له أكرم وأطهر وأرق فتاة أحبته وأحبها!  لاحظ أن لون الحجر أخذ يخفت .. اللون الأزرق الصافي كزرقة البحيرة العميقة، بدأ يخبو، وتسري فيه خيوط صفراء كأنها الشعرات البيض في رأس العجوز .

وحمله إلى الصائغ كأنه يحمل أحب اعزائه إلى الطبيب .. وفحص الصائغ الحجر من خلف العدسة المكبرة، ثم رفع رأسه ونظر إليه وقال في صوت حزين: أنه يموت!! 

قالها كأنه يسأله: لماذا قتلته؟! 

وقال للصائغ وبين عينيه دهشة ولوعة: كيف يموت .. إنه حجر!! 

وقال الصائغ كأنه يصف الداء : إن الفيروز حجر رقيق .. كزهرة البنفسج .. تغشيه لمسة أو لفحة هواء، أو رائحة عطر عنيف، فيهرب منه لونه، ويأخذ في الإصفرار .. حتى يموت .. ينتهي .. يصبح شيئاً أصفر يثير الشفقة!! 

وترك الصائغ وهو مشدوه. 

وبدأ يحس إحساساً عجيباً .. يحس كأنه هو يموت مع الحجر .. كأن اللون الأصفر الذي يسري في زرقة الحجر، يسري أيضاً في وجهه هو، وفي شبابه!! 

وتذكر شبابه كله كأنه يودع الحياة .. لقد أحب صاحبة هذا الخاتم .. أحبها .. نعم .. ولكنها أحبته أكثر من حبه، وربما أكثر مما يستحق .. وقد كان هناك شيء في نفسه لا يحتمل كل هذه الدقة التي يعبر بها عنها حبها .. وكل هذا السمو .. وكل هذا التفاني شيئ في نفسه يحن إلى الطين .. إلى السفالة .. وقد دفعه هذا الشيئ بعيداً عنها .. بعيداً عن حبها .. وألقاه في حمم الجسد .. وأصبح يخونها .. ثم أصبح يجهر بسفالته .. تركها تعلم أنه يقضي لياليه في المراقص، ويبعثر شبابه فوق الأجساد الرخيصة، لم يعد يكلف نفسه حتى مشقة إخفاء سفالته عنها .. 

وكان دائماً يحمل حجر الفيروز فوق إصبعه .. يحمله وهو في المراقص، ويحمله في رحلاته فوق الأجساد .. منذ متى بدأ يلاحظ دبيب الإصفرار في لون الحجر؟ 

وأجهد نفسه ليتذكر  .. وتذكر .. أن الحجر بدأ يموت منذ بدأ يخون .. منذ بدأ يمارس سفالته .. منذ أبتعد عن حبيبته بروحه وجسده!! 

هل تعود الحياة إلى خاتمه .. لو عاد إليها .. لو كفر عن سفالته؟! 

وذهب إليها يحمل الحجر فوق إصبعه وهو يزفر آخر ما بقي فيه من لونه الأزرق الصافي الجميل .. وطرق الباب .. وأطل عليه وجه كالح، صاح في حدة: ماتت!! 

وفغر فاه كأنه لا يصدق أذنيه .. ثم أحنى رأسه كأن دموعه تشدها من فوق رقبته .. ونظر إلى الحجر .. لقد أصبح شيئاً أصفر باهتاً .. مات هو الآخر!! 

وسار في خطى بطيئة يشيع جنازة فقيد عزيز .. وخلع الخاتم من فوق إصبعه ودفنه في أحد أدراج مكتبه .. وبكى!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق