والدي الغالي كتب آلاف القصص جعلته أديباً متميزاً ، لكن هذه القصة بالذات لها مذاق خاص ..
أنه عمل أدبي يعبر بامتياز عن شهادة أمة عاشت الإنكسار ثم الإنتصار.
والقصة بدايتها من أيام بلوى الهزيمة عام ١٩٦٧ .. البلد كلها حزينة ومكسورة .. مش مصدقة ما جرى!!
إزاي جيشنا العظيم ينهزم بالشكل ده .. وقتها كان حبيبي أبي حزيناً واعتزل الناس وكتب قصة قصيرة بعنوان "الرصاصة ما تزال في جيبي" .. خلاصتها عن جندي شايل رصاصة لم يطلقها بعد مازالت في جيبه رمزاً للكرامة اللي لازم ترجع وللأمل.
وهذا البطل الشاب واسمه "مجدي" ينتمي إلى أسرة بسيطة ويعيش قصة حب مع جارته "صفاء" الفتاة الجميلة الطيبة رمز الحلم النقي في حياته .. وعندما يعود إلى بلدته بعد إنتهاء الحرب يعاني من نظرات المجتمع القاسية حتى من "صفاء" نفسها وذلك بسبب الهزيمة .. الكل يتجنبه وهناك شبه مقاطعة له ، وكأنها رسالة من المجتمع تطالبه أولا بالثأر لما جرى .. ولا يطيق "مجدي" البقاء أكثر من ذلك بين أهله الذين يرمونه بنظرات احتقار صامتة ويعود من جديد إلى الجبهة .. ليؤكد لهم أن مصر لم تمت .. ويشارك في حرب الاستنزاف بشجاعة فائقة .. إنه بذلك يرد على كل إتهام لجنود مصر بالضعف والتخاذل ويتم تتويج ذلك كله في حرب أكتوبر وعبور قناة السويس ويا سلام على جيشنا عندما حطم خط بارليف ليثبت للعالم كله أن مصر قادرة على صنع المستحيل ، ولأول مرة ترى ضباط وجنود إسرائيليين أسرى في أيدي أبطالنا المصريين .. مشهد لا ينسى أبدا.
ويعود والدي الغالي بعد النصر إلى قصته التي كتبها وهو مجروح بعد الهزيمة ويوسعها لتكون رواية كاملة لكنه يظل محتفظا بعنوانها الأصلي: "الرصاصة ما تزال في جيبي" رغم أن رصاصة أبي أنطلقت بالفعل .. فقد كان يحتفظ بها منذ الكارثة التي جرت حتى يتذكر دوماً الكرامة المفقودة .. والأرض التي ضاعت .. الرصاصة هنا مش معدن ..
أنها تقول: مش هنسيب حقنا!
وهذه الرواية ليست في هذه الفترة حكاية جندي واحد يبحث عن الثأر بل حكاية كل مصري عاش المرارة وصبر واستنى وبعدين رفع رأسه بالنصر ..
وعندما تحولت الرواية إلى فيلم لقي نجاحاً عظيماً وهو أول عمل فني يعبر عما جرى يعرض على الشاشة وكان من بطولة "محمود يس" و"نجوى إبراهيم" و"حسين فهمي" و"صلاح السعدني" ، ولكل منهم حكاية ، وحصل والدي على جائزة أفضل قصة وأفضل سيناريو ، والموسيقار الشاب "عمر خورشيد" رحمه الله الذي وضع بطريقة بارعة الموسيقى التصويرية .. وظل هذا الفيلم في ذاكرة المصريين حتى الآن لأنه يعبر عن قصة كفاح شعب أنهزم ولم يستسلم ، ورفع راية المقاومة والتحدي حتى أسترد أرضه في النهاية ..
تعظيم سلام لأبطال مصر.
محمد عبدالقدوس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق