مساء اليوم تحتفل مجلة "روزاليوسف" بمرور قرن كامل على إصدارها على يد جدتي عام ١٩٢٥ ، وهي كما أخبرتك من قبل المجلة الوحيدة في العالم كله الذي تحمل اسم صاحبتها ، فلا يوجد مطبوعة صحفية في الدنيا تسمى باسم من أصدرها !!
وعندما أهداني حبيبي أبي رحمه الله كتاب عن ذكرياتها .. كتب يقول لي: أفتخر بجدتك .. إنها معجزة إنسانية .. "روزاليوسف" اسم أجنبي لكنها أصبحت مصرية صميمة شامخة كالهرم.
ولم أفهم في البداية يعني إيه: معجزة إنسانية .. لكنني عندما قرأت سيرة حياتها بالتفصيل قلت في نفسي: بالفعل هذه السيدة معجزة بكل المقاييس .. يعني مثلها لا يوجد إلا كل كذا مليون مليون ..
وصدق أو لا تصدق جاءت إلى مصر قادمة من بلاد الشام طفلة صغيرة بلا أب ولا أم ولا أي أقارب حتى من الدرجة العاشرة وحيدة تماماً .. ومع ذلك أصبحت نجمة في المسرح ثم الصحافة مع أن مصيرها الطبيعي كان الضياع ، لكنها نجحت وتألقت وهذا أمر استثنائي تماماً .. يعني نادر جداً جداً ..
ومن حقك أن تسألني: إزاي إنسان يعيش في الدنيا وليس له أهل ولا أقارب .. يعني مقطوع من شجرة بالتعبير العامي!!
والإجابة أن بدايات حياتها غريبة وشاذة فهي من مواليد طرابلس بلبنان وكانت في هذا الوقت جزء من بلاد الشام .. وكان ذلك أواخر القرن التاسع عشر الميلادي .. وبعد ولادتها بفترة قصيرة جداً ماتت أمها!
ووالدها واسمه "محمد محي الدين اليوسف" .. كان تاجراً غير مستقر في مكان واحد فترك أبنته عند جيرانه يقومون برعايتها مقابل مبلغ من المال .. وبعد فترة مات الأب هو الآخر .. وطلع الجيران "أندال" .. وبعد انقطاع المبلغ قالوا البنت دي ماتلزمناش !!
وقرروا التخلص منها .. وكان هناك صديق لهم مسافر الى البرازيل .. واتفقوا معه على أن يأخذ هذه الطفلة معه تؤنسه في وحدته .. وتحركت الباخرة من ميناء بيروت في طريقها إلى آخر الدنيا .. أمريكا الجنوبية ، ويظهر أن البنت التي كانت معه شقية وعفريتة وشعر المهاجر أنها ستكون عبء عليه !!
فقرر التخلص منها .. وعند وصول الباخرة إلى ميناء الإسكندرية وجد صديق له يعمل في المسرح اسمه "إسكندر فرح" .. فقال له: أنت عندك أربع بنات .. خذ البنت دي كمان عندك وبذلك يصبحوا بناتك خمسة !!
وهكذا جاءت إلى مصر وعمرها أقل من عشر سنوات ..
وأسألك: أليست معجزة إنسانية .. إزاي المهاجرة الطفلة اليتيمة التي ليس لها أهل .. تصبح نجمة في مصر ..
ولمعلوماتك هي أول سيدة في بلادنا تقوم بتأسيس مجلة .. ومجال الصحافة في هذا الوقت كان حكرا على الرجال .. ومجتمع ذكوري تماماً .. لكن "روزاليوسف" أقتحمته برغم أنها غير مصرية ..
ألا توافقني في أنها معجزة إنسانية ؟؟
محمد عبدالقدوس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق