ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الاثنين، 26 ديسمبر 2022

حكايات إحسان عبد القدوس - مشكلة عبدالمتجلي في الآخرة !!


زمان كانت الدنيا في بلادي أكثر إنفتاحا ، ولا تعرف هذا التعصب الموجود حاليا.

وأحد الأدلة على صحة ما أقول قصص حبيبي أبي رحمه الله ، كان أحيانا ينشر قصص بالغة الحساسية تتعلق بربنا والدين وحساب الإنسان في الآخرة ، ولو نشرت إحدى قصصه هذه الأيام لقوبل بعاصفة من النقد والتشكيك في دينه وصحة إيمانه ، وإليك قصة من قصصه في هذا المجال الحساس عن حساب "عبدالمتجلي" وهذا هو اسمه عندما ذهب إلى الآخرة .

  الإنسان .. في السماء !

مات .. ولم يحس أحد بموته .. ذهب دون أن تترك أقدامه أثرا فوق طريق الحياة .. ولو أن كلبا نفق في الطريق لتجمع الناس حوله ، وتهامسوا ، وربما انقبض قلب بعضهم ، وربما استدعوا مندوب جمعية الرفق بالحيوان .. ولكن من سوء حظ "عبدالمتجلي" وهذا هو اسمه أنه ينتمي لنوع من المخلوقات كثيرة العدد .. عددها أكثر من عدد الكلاب ، ومن عدد البغال .. ولن يحدث شيء إذا نقص هذا العدد الكبير واحداً .. لن يتنهد أحد .. ولم يهتم أحد .. 

وهكذا مات "عبدالمتجلي" في صمت .. كما عاش حياته كلها في صمت .. لم يشك ! ولم يتأوه ، ولم يستغث حتى بالله .. إنما ابتلع آلامه وعذابه في صمت .. إلى أن سمع صوت عظامه وهي تتفكك ، واحس بصدره يضيق ، وانفاسه تخمد .. وصمت أيضاً .. لم يعرف أنه يموت .. إلى أن مات ! 

هكذا مات "عبدالمتجلي" .. 

في صمت .. وبلا مناقشة !

ولكنه ما  كاد يصل إلى السماء حتى إستقبل بضجة لم يسمع مثليها في الدنيا .. وتجمع فريق من الملائكة ينثرون فوق رأسه أكاليل من النور ، وينشدون من حوله أنغاما أعذب من كل ما تذيعه محطة الإذاعة ، ويعدون له عرشا من الذهب الموسد بالحرير ، في أبهى قصر من قصور الجنة .. ولكن فريقاً آخر من الملائكة لم يشتركوا في هذه الفرحة ، ولم يرحبوا باستقبال "عبدالمتجلي" إنما وقفوا يتهامسون ، ويتناقشون وينظرون إلى "عبدالمتجلي " في رثاء يكاد يكون ازدراء .. وعندما مر بهم ، ولوه ظهورهم ، واستغرقوا في مناقشاتهم ..

وسأل أحد الصالحين من أهل الجنة :

ما هذه الضجة ؟!

واجابه ملاك : 

ألا تدري .. لقد وصل"عبدالمتجلي" ! 

وقال الرجل الصالح :

"عبدالمتجلي" !! من هو "عبدالمتجلي" هذا ؟! لم أسمع بهذا الاسم بين الأنبياء ، أو الصالحين ، أو الشهداء !!

وقال الملاك : .أنه إنسان كنا جميعاً في انتظار وصوله إلى السماء ، فهو يمثل مشكلة يدور حولها خلاف كبير .. هل هو يستحق الجنة ، أم النار ؟

وقال الرجل الصالح :

هل هو كافر ؟

وقال الملاك :

لا ..

وقال الرجل الصالح: 

مؤمن إذا!

قال الملاك :

لا .. قال الرجل الصالح: 

وقائمة ذنوبه ؟

قال الملاك: 

ليست له ذنوب !!

قال الرجل الصالح: 

إذن له حسنات ؟!

وابتسم الملاك :

لا .. ليست له حسنات !!

قال الرجل الصالح ، وقد استبدت به الحيرة : 

كيف قضى حياته الأولى ؟

قال الملاك:

في صمت !!

قال الرجل الصالح:

وما حكم الصمت ؟!

قال الملاك :

هذا هو سر الضجة .. إن الملائكة مختلفون بعضهم مع بعض ، وقد أرادت مشيئة الله أن تشكل محكمة يقدم أمامها "عبدالمتجلي" ، وسيدافع عنه ملاك ، ويتولى الإتهام ملاك آخر .. ألا تأتي .. إن المحاكمة علنية ، والحضور مباح لأهل الجنة .. 

وعقدت المحكمة ..

 وفتحت الجلسة وقبل نهايتها دوى صوت رئيس المحكمة :

يا "عبدالمتجلي" .. 

ولم يجب " عبدالمتجلي" .. خيل إليه أن الصوت ينبعث من داخله ، لا ممن يناديه ! 

وعاد الصوت يدوي : 

يا "عبدالمتجلي" .. أرفع رأسك!

ورفع "عبدالمتجلي" رأسه ، وملأ النور عينيه .. وسمع صوت 

القاضي يقول له :

قل لنا يا "عبدالمتجلي" .. ماذا تشتهي عندما تكون في الجنة .. ماذا تطلب .. تكلم .. لا تخف يا "عبدالمتجلي" .. 

وقال "عبدالمتجلي" بعد تردد : .هل أستطيع أن اطلب اي شيء .. 

قال القاضي في صوت مشجع : 

أي شيء .. كل ما تريد تحت أمرك !

وقال "عبدالمتجلي" :

صحيح ؟!

ودوت القاعة بأصوات الملائكة من الفريق المؤيد :

صحيح .. صحيح .. تكلم  .. أطلب ما شئت .

وقال "عبدالمتجلي" وقد ارتفعت لأول مرة ابتسامته ، وتحلب ريقه :

أطلب طبق فول بالزيت كل صباح .. ورغيف عيش .. ثم استدرك قائلا بسرعة :

رغيفين !!

ووقع على القاعة صمت مخيف .. ثقيل .. ونكس الملائكة المؤيدون رؤوسهم خجلاً .. ولووا شفاههم ازدراء لهذا الشيئ الذي خلقه الله على الأرض .. واشاح ملاك الدفاع برأسه كأنه ندم على الدفاع عن هذا المخلوق .. وابتسم ملاك الإتهام إبتسامة الشماتة والنصر .. 

وسأل "عبدالمتجلي" نفسه : "ترى .. هل طلبت كثيراً" !! 

ومالت رؤوس القضاة بعضها إلى بعض ، وأخذوا يتهامسون ..

 وقال كبيرهم : 

لا مفر .. الجنة !! 

وسأل أحد القضاة: 

والحيثيات ؟!

قال كبير القضاة همساً :

الرحمة !! 

وصدر الحكم بإدخال "عبدالمتجلي" إلى الجنة .. 

ولم يفرح الملائكة المؤيدون .. ولم يقيموا احتفالاً ، ولا انشدوا ترتيلا ..

دخل "عبدالمتجلي" الجنة .. رثاء له !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق