ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

السبت، 25 مارس 2023

صورة من قريب - عيد الأم وأصحاب فكرة الإحتفال بها !!



هذا العيد أراه من أنجح أعياد الدنيا التي يحتفل بها المصريين ولا يضاهيه في هذا النجاح سوى شم النسيم وهو عيد فرعوني قديم.

ويدخل في دنيا العجائب أن الغالبية العظمى من أبناء مصر لا تعرف شيئاً عن تاريخ هذا العيد ومن يقف وراءه !! 

والغريب أنه بذلت محاولات لتحويل عيد الأم إلى عيد للأسرة كلها ، فلم تنجح ! وكانت هناك جهود أخرى لتخصيص يوم للإحتفال بعيد للأب ، لكن هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح وفشلت هي الأخرى وبقي عيد الأم وحده في الساحة دون منافس .

ومنذ أيام احتفلنا بعيد الأم رقم ٦٨ ، حيث ظهر لأول مرة عام ١٩٥٥ ، وأصحاب هذه الفكرة التوأمان "مصطفى وعلي أمين" رحمهم الله الذين قاموا بتأسيس اخبار اليوم .

وبهذا الإحتفال دخلت الصحافة المصرية والعربية مرحلة جديدة لم تكن معروفة من قبل وهي تقديم خدمات إجتماعية للجمهور ، واشتهرت أخبار اليوم التي يديرها التوأمان في هذا المجال ، فقامت بمساعدة طلاب الجامعة الغير قادرين ، وكذلك تقديم عون للفقراء تحت مسميات مختلفة مثل "ليلة القدر" ، و"لست وحدك" .

وهذا التطور الجديد في صحافتنا بدايته الإحتفال بعيد الأم. 

ترى من هي والدة عمالقة الصحافة التي من أجلها يتم تكريم ست الحبايب يوم ٢١ مارس من كل سنة مع بداية الربيع ؟!

   ( أحب أمي التي تضربني !!)

ويعترف "مصطفى أمين" بصراحة بأنه كان يحب أمه أكثر من أبيه ! 

ويقول : أبي لم يضربني في حياته ، وضربتني أمي كثيراً ومع ذلك كنت أحبها أكثر من والدي.

ويشرح سبب ذلك قائلا : كانت أعمال أبي تقتضي منه أن يتركنا في القاهرة أغلب أيام السنة ليعمل مع شريكه المؤرخ الكبير "عبدالرحمن الرافعي" في مكتب المحاماة بمدينة المنصورة ، وآخر في دمياط ، ويبقى غائباً عنا أغلب أيام الأسبوع ، ولا نراه إلا أيام الخميس والجمعة ، وهكذا كان غيابه الإضطراري سبب قربنا من أمنا.

( زعيم مصر تولى تربيتها !)

والجدير بالذكر أن والدة التوأمين هي إبنة شقيقة الزعيم المصري الكبير "سعد زغلول" ، واسمها "رتيبة" ، ووالدتها توفيت مبكراً وكذلك أبوها !!

وهكذا أصبحت أم التوأمين يتيمة وهي صغيرة لا تدري من دنياها شيئ ! 

فتولت جدتها "مريم" أم "سعد زغلول" تربيتها مع شقيقها ، فهما أحفادها الوحيدين لأن أولادها "سعد زغلول" ، و"فتحي زغلول" لم ينجبا لا أولاد ولا بنات !

واستمرت السلالة من أبنتا "رتيبة" أم التوأمين،  وشقيقها "سعيد" الذي توفي في الثلاثين من عمره فتولى زعيم مصر تربيتها .

وفي أوائل القرن العشرين بنى "سعد زغلول" بيت جديد له بالقاهرة أطلق عليه بعد قيام ثورة ١٩١٩ "بيت الأمة" ، وسمي الشارع باسم "سعد زغلول" .

وطلب من أمه أن تأتي وتقيم معه بالقاهرة فجاءت "مريم" ومعها حفيدتها "رتيبة" وشقيقها "سعيد" الذي توفي مبكراً.

وتزوج "سعد زغلول" بعدما بلغ الخامسة والثلاثين من عمره ، وكانت شريكة عمره "صفية" إبنة "مصطفى فهمي" باشا ، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لمدة طويلة جداً جاوزت العشر سنوات ، واشترط "العريس الجديد" على زوجته أن تقيم مع أمه وأحفادها في ذات البيت ، ورحبت "صفية زغلول" بذلك ، وكان من الطبيعي أن تكون لأم التوأمين دور في ثورة مصر الخالدة سنة ١٩١٩ مادامت قد نشأت في بيت الأمة حيث مقر الزعيم !

فكانت تداوي الجرحى ، وتخفي المنشورات في داخل حبرتها السوداء ، ويتصور من يراها أنها حامل في ستة تواءم ، وتقف أمام المحلات الإنجليزية تمنع الزبائن من دخولها تنفيذاً لقرار الثورة بمقاطعة البضائع الإنجليزية !!

وعن أمه يقول المرحوم "مصطفى أمين" : شخصيتها غنية وتبدو متكاملة .. فهي طيبة جداً ، لكن فيها ذكاء عجيب ! وقادرة على إكتشاف شقاوتنا ، وكل ألاعيبنا الصغيرة ، ولذلك كنت أسميها أنا وأخي "شارلوك هولمز" وهو اسم مخبر فرنسي شهير ! 

أمي قلبها من ذهب ، لكنك في ذات الوقت تجدها امرأة حديدية فالرحمة عندها لا تعني الضعف ! 

علمتنا تقبل الحياة بحلوها ومرها ، فمثلاً إذا ذهبنا إلى السينما كانت تصر على أن نجلس في "الترسو" ! مع أنه كان في وسعنا أن نشتري تذاكر في "اللوج" أو على الأقل "بالبلكون" !! 

ورفضت أن تشتري لنا دراجة لنذهب بها إلى المدرسة ، وكانت تصر على أن نقطع المسافة على أقدامنا !

وعندما نجحت في شهادة الثانوية طلبت أن تكون هديتي سيارة صغيرة ، لكنها رفضت قائلة : "أشتريها من فلوسك" !! 

وكان السفرجي في بيت "سعد زغلول" لا يحضر لنا كوب الماء إلا إذا قلنا له من فضلك !

وإذا قدم لنا الطعام ولم نقل له "مرسيه أو شكراً" فمن حقه أن يسترد الأكل الذي قدمه لنا .

ويضيف كاتب مصر العملاق قائلاً : أكتشفت أن أمي كانت على حق في كل ما فعلته ، فقد أحيل والدي إلى المعاش ثلاث مرات بعدما تم فصله من عمله ، وهوى مرتبه ، لكن أمي أستطاعت أن تدبر أمرها وتختصر في النفقات ، وتجعل من الحرمان متعة ومن الضيق فرجا ، وكانت قادرة على مقابلة الخطوب بابتسامة ، وهذا ما تعلمته منها وأنا أواجه ما لا يخطر على بال أحد من مصائب !!

 ( تستقبل الأفراح بالدموع !!)

ومن الأمور الغريبة التي يذكرها "مصطفى أمين" عن أمه أنها كانت تستقبل أفراح أولادها بالدموع من شدة وفاءها لأخيها الصغير الذي توفي في ريعان الشباب ، فإذا حصلنا على الشهادة الابتدائية بكت وقالت : "ياريت كان خالكم عايش" ! 

وإذا حصلنا على الماجستير أو أنتخبنا في البرلمان بكت نفس البكاء قائلة : "ياريت كان خالكم عايش" ! 

وذات الأمر تكرر عندما أصدرنا أخبار اليوم !

ويقول كاتبنا الكبير: لم تكن أمي موافقة أبدا على أن أعمل في الصحافة ! كانت تراها مهنة خطرة كالطيران .. كنت إذا سهرت في الجريدة أقول لها أنني كنت سهران في صالة "بديعة" ! فقد كان رأيها أن السهر في كباريه أكثر أمنا من السهر في الجريدة !!

وبسرعة أكتشفت الأم أن أولادها يعملون في مهنة المتاعب وبذلت جهدها لمنع أبناءها من سلوك هذا الطريق ، فتم إرسال "علي" لدراسة الهندسة بإنجلترا ! أما "مصطفى" فقد دخل الحقوق! وعندما رسب أرسلته أسرته إلى أمريكا لدراسة العلوم السياسية ! 

ونجحا الأولاد في دراستهم ، ومع ذلك أصرا على العمل في الصحافة، فباعت الأم كل ما تملكه من مصوغات ، وأعطت ما حصلت عليه من نقود لأولادها مساهمة منها في إصدار أخبار اليوم ! 

وهكذا تحول موقفها من النقيض إلى النقيض بعدما نجحا أولادها واطمئنت عليهم .

 ( أحلى الكلام في تقديس الأم !)

وعن أمه كتب "مصطفى أمين" أحلى الكلام فقال : قرأت كثيراً عن صور الملائكة ، لكنني أعتقد أن الله خلق الملائكة في صورة أمهات فلا يوجد في الدنيا أجمل ولا أقدس من الأم ، وكثيراً ما قرأت عن الأدوية التي تعيد الشباب ، ولا أظن أن إكتشافا يستطيع أن يفعل في الإنسان ما يفعله حنان الأم مع ولدها ، كنت أشعر وأنا في الأربعين من العمر أنني عدت طفلاً مع أمي ، كان حنانها يطوي السنين من عمري ويعيدني إلى مرح الشباب ، كانت ابتسامتها تغسل من روحي أتربة الزمن وغبار المتاعب وأوساخ الحياة ، وقبلتها أشبه بالبنج الذي يجعلك تحتمل مشرط الطبيب ! ومشرط "الزمن" كثيراً ما يؤلم أكثر مما يؤلم مشرط الجراح !! 

وصدر الأم هو الباب المفتوح الذي لا يغلق أبدا حتى ولو أغلقت في وجهك جميع أبواب الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق