وقبل أن ينفض شهر أكتوبر أتذكر دوماً أجمل يوم في حياتي ..
حدث في هذا الشهر ، وقد كتبت عنه قبل ذلك ، ومستعد أن أكتب عن هذا اليوم مليون مرة كمان !!
إنها حكاية شخصية ، ولكنها غريبة جداً ، ومازلت في إنتظار أن أسمع صوت بطل قصتها "الملاك المجهول" !
وأبدأ الموضوع من أوله ..
عند بدء معركة التحرير في السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣ قدمت نفسي للجهات المسئولة كمتطوع ، وكنت وقتها طالباً بالسنة النهائية بكلية الحقوق جامعة القاهرة ، وكان مركز التجمع حزب "التجمع" !
الذي يقع بالقرب من ميدان "طلعت حرب" وهو مبنى يتبع "المرحوم" الإتحاد الإشتراكي قبل أن يموت وتوزع تركته على الأحزاب السياسية !
وفي أواخر شهر أكتوبر سافرت مع غيري من المتطوعين إلى مدينة "الإسماعيلية" ، وأتذكر بكل خير عدد من رفاقي كانوا يعملون كعمال في مطابع مجلة "روزاليوسف " التي قامت جدتي بتأسيسها !
وكانت مهمتنا هناك ليلية .. نقوم بحراسة المنشآت والمدينة كلها بعد غروب الشمس وحتى الفجر ، وبعد إنتهاء الوردية نذهب إلى البيوت المهجورة هناك وننام في إحداها ، وفي الصباح كل واحد حر ، فكنا ننزل إلى الشوارع ونتعرف على الضباط والجنود العائدين من الجبهة ، ونعانقهم ونكاد نقوم بتقبيل أيديهم تقديراً وعرفاناً ، وكانت مصر قد خرجت تواً من المعركة والبلد مليئة بالحماس والوطنية.
وفي يوم لا أنساه تعرفت على واحد من أبطالنا ، وسألني: أنت إبن "إحسان عبدالقدوس" ، وعندما قلت له نعم ..
قال لي: عايز تروح "سيناء" دلوقتي ؟؟
قلت من قلبي ياريت !
وظننت أنه يمازح معي ، لكنه كان جاداً عندما قال لي تعالى معايا !
وأنطلقنا !
وتعجبت جداً ، فقد كانت هناك العديد من نقاط التفتيش العسكرية إجتازها وأنا معه بمنتهى السهولة مع أن رتبته كضابط لم تكن كبيرة ، لكن كان من الواضح أن الجميع يعرفونه ويسمحون له بالمرور حتى دون أن يسألوه عن شخصية مرافقه الذي هو أنا والمؤكد انه ينتمي إلى جهة سيادية !
وكدت أن أبكي تأثراً وأن أعبر قناة السويس بقارب ! فقبل أسابيع قليلة كان أبطالنا يعبرون !
ووصلت إلى الضفة الأخرى المحررة ووطأت قدمي أرض "سيناء" ، وذهبت إلى الحصون اليهودية التي كانت قد سقطت تواً في أيدي أبطالنا ، وأحلى كلمات الدنيا لا تستطيع أن تصف شعوري الغامر بالفرحة والفخر بكل جندي وضابط ، وأخذت منهم رسائل عديدة وأرقام تليفونات لأتصل بأسرهم قائلاً: أبنكم البطل بخير !
ومكثت في أرضنا المحررة "سيناء" نصف يوم شاهدت خلالها دبابات إسرائيلية محترقة ، بل وجثة مقاتل صهيوني بصقت على وجهه !
ومن سوء حظي أنني لم أسعى للتعرف على هذا "الملاك" الذي قادني إلى سيناء ، وعندما ذكر أسمه الأول لم أهتم حتى بحفظه !
ويا حبيبي المجهول أين أنت ؟
هل أنت عايش ولا ميت ؟
نفسي أسمع صوتك في مكالمة تليفونية وأنت تقول: أنا الحبيب المجهول الذي تبحث عنه !
ويدخل في دنيا العجائب أنني في شوق إليه ولم أنساه أبدا برغم مرور أكثر من نصف قرن على هذا اليوم الذي لم يسبق له مثيل في حياتي كلها !!