ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الأحد، 24 فبراير 2019

عجائب عبد القدوس -إبني محمد : بقلم إحسان عبد القدوس


بمناسبة مرور قرن على ميلاده أقدم لحضرتك ما كتبه حبيبي ابي بعد ولادتي بأقل من شهر، ونشره في مجلة روزاليوسف التي كان يرأس تحريرها، وأرى في سطوره مشاعر رائعة لكل اب عرف مشاعر الأبوة لأول مرة. 

إبني محمد : بقلم إحسان عبد القدوس
--------------
عشت حياتي كلها حرا طليقا ثائرا لا أحترم تقليدا ولا قانونا، ولا أسمح لكائن من كان يحد من حريتي او يفرض علي أمرا ، الى أن جاء ابني فاحتلني احتلالا عسكريا وفرض علي قانونا عرفيا ظالما، وسلط أمره ونهيه على جميع نواحي حياتي، ولم يسمح بالدخول معي في مفاوضات لعقد معاهدة تحدد ما له وما لي، فكل شيء له ولا شيء لي!
كنت أنام عندما أشاء واصحو وقتما أشاء ، فإذا بهذا الإنسان الصغير العزيز الذي لا يتجاوز عمره أياما ، يفرض سلطته علي فلا أنام الا إذا نام، فإذا صحى صحوت لأكون بين يديه.
وكانت لي سيدة عزيزة جميلة أوقفت عمرها واهتمامها علي، فإذا بالجبار المعبود يغتصبها مني اغتصابا، وإذا بعمرها كله له، وقلبها وروحها واعصابها له.. ولم يترك لي منها شيئا ولا حتى الإحساس بوجودي!!
وكان كل ما اربحه من عملي ملكا حلالا لي وحدي، أبعثره كيفما أريد وألقي به ذات اليمين وذات اليسار ، وقد خلقت وأنا "إيدي سايبة" أحب أن أحس بالمال وهو ينساب من بين أصابعي ليقع أينما يقع، ولكن هذا الإبن الحبيب غل يدي وأطبق أصابعي ، واغتصب كل ما اربحه أولا بأول أقدمه له جزية خضوعي وولائي له.. فلا تندهشوا إذا طلبت من أحدكم سيجارة!
حتى الهواء حرمني منه.. وقد أخترت أن أعيش في غرفة تلمس السماء ويصفر فيها الريح، وكانت أعصابي لا تهدأ ولا تستريح الا إذا شعرت بالهواء البارد يصل إلى عظامي والريح القوي يخبط بجسدي.. الى أن سكن الطفل في الغرفة المجاورة واتخذها مركزا لقيادته، فإذا به يحكم علي أن أغلق النوافذ كلها وأحكم إغلاقها حتى لا يتسرب الهواء من تحت عقب الباب فيقلقه في نومه او يؤثر في جسده الرقيق ولا يهم بعد ذلك أن أختنق انا او أموت من الحر!
وعملي.. إن زملائي وعمال المطبعة تعودوا مني المفاجآت ، فقد كنت أكتب لهم عشر صفحات في يوم واحد وقد لا أكتب شيئا لعدة أيام ، وقد اسلمهم مقالا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ، وقد أسلم في الساعة السابعة صباحا.. اما الآن وبعد ان فرض ابني الأحكام العرفية فقد أصبحت أنتهي من عملي في الساعة الواحدة بعد الظهر لأكون بعد ذلك بين يديه ، وأن أنتهي منه في الساعة التاسعة مساءً لأكون طوال الليل تحت أمره.. وبدأ الزملاء والعمال يتهمونني بأني أصبحت عاقلا ورب بيت، ورغم كل ذلك فإني أحبه.. أحب هذا الجبار الصغير الذي لا يرحم وأحب فيه جبروته.. أحب هذا الظالم وأحب فيه ظلمه.. أحب هذا المغتصب الذي لم يترك لي شيئا وأحب ان يغتصب مني أكثر.. أحبه وأخاف عليه من أطياف الخيال.. أحبه وأعيش لأراه يوما يبتسم، وأعمل لأراه يوما يعمل، وأموت ليحيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق