ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الاثنين، 11 مايو 2020

عجئب عبد القدوس - إنحاز للبيئة المحافظة والمتحررة!




من حقك أن تسألني : كيف يمكن لإنسان أن يكون محافظا ومتحررا في وقت واحد.. ومن فضلك أقرأ قصته لتعرف الإجابة.. 
عاش طفولته وشبابه المبكر في بيئتين مختلفتين تماما، كل منهما تكاد أن تكون نقيضا للأخرى، كان قد تم الطلاق بين أمه وأبيه بعد عدة أشهر من ولادته، فذهب إلى بيت جده لوالده وهو من خريجي الأزهر الشريف حيث عاش هناك تحت رعاية عمته التي تولت تربيته. 
وفي هذه البيئة رأى المرأة محاصرة بالتقاليد، وممنوع عليها أن تخرج وحدها أو حتى تطل من الشباك!! وفي أجازته الأسبوعية كان يذهب إلى أمه حيث الوضع مختلف تماما ، فقد كانت نجمة مشهورة، ولها قدم راسخة في فن التمثيل على المسرح ، وعندما بلغت القمة قررت الإعتزال وهي في أوج مجدها، ثم أقامت مجلة تحمل اسمها تدافع فيها عن الفن النظيف، وكان ذلك أمرا عجيبا وجديدا على المجتمع المصري ، ففي هذا الوقت من أوائل العشرينات من القرن العشرين لم تكن المرأة تعمل، وكانت مفاجأة أن تجد واحدة من حواء تقتحم مجال الصحافة ، وهي مهنة قاصرة على الرجال وحدهم، وزادت دهشة الناس عندما وجدوا هذه المرأة تقوم بتحويل مجلتها الفنية إلى مجلة سياسية مشاغبة. 
وعندما كان أبنها يذهب إلى بيتها يجد نجوم مجتمع مصر مجتمعين عندها من كل الأجناس والألوان ، وهناك كان يشاهد أمير الشعراء أحمد شوقي، وعباس محمود العقاد ، ومحمد التابعي، ومصطفى أمين، والموسيقار محمد عبدالوهاب، وكوكب الشرق أم كلثوم ، وهكذا كنت ترى في منزلها أساطين الأدب والفن والصحافة بالإضافة إلى نجوم السياسة. 
ونشأ الشاب الصغير حائرا بين بيئته المحافظة التي تربى فيها، وبيئة أمه المتحررة، ولا يدري إلى أيهما ينحاز!! فهو يحب عمته جدا ، وهي صاحبة فضل عليه في تربيته، لها أربعة أبناء أعتبرته الخامس، ولم يشعر أبداً أنه غريب عنها، وكانت تعطيه من الاهتمام مثلما تعطي لأولادها بالضبط، ورآها قدوة ومثلا أعلى في رعاية زوجها وتربية أبناءها. فهي عاشقة لمنزلها، وفي ذات الوقت كان معجبا جدا بأمه ست الكل ، في جلدها وصبرها وكفاحها في الحياة ، وحبها العجيب للصحافة وقد حققت في هذا المجال نجاحا عظيما ، وهكذا أصبح مجدها الصحفي يضاهي مجدها الفني إن لم يتفوق عليه. ومن هنا رأينا هذا الشاب شديد الحساسية تجاه المرأة بعدما عاصرها في كل أوضاعها المحافظة والمتحررة ، وعندما أمسك بالقلم وبدأ يعمل بالصحافة مع أمه كان أفصل من وصف مشاعر سيدتي ومشاكلها وطموحاتها، حتى قيل عنه أنه يكتب عن النساء بطريقة تفوق أي أنثى! واتهمه بعض خصومه بالانحلال، ولم يكن هذا صحيحا أبدا، فهو في حياته الخاصة محافظا إلى حد كبير ، وزوجته لا يمكن أن تسهر وحدها، بل دائما معه، وهي حريصة على احتشامها، وأوامره لها زادتها حرصا على ذلك ، ومن هنا قال نقاده إنه متناقض! يعيش في بيته بطريقة رجعية على حد زعمهم! وكتاباته تدعو إلى تحرير المرأة! لكنه فهم حرية سيدتي على غير ما يفهمها هؤلاء! فهي لا تعني أبداً الانحلال! أو أرتداء الملابس الخليعة، أو العودة إلى بيتها في ساعة متأخرة من الليل بعد سهرة ممتعة، فإذا خاطبها أحد في سلوكها المشين قالت له: إنها حرة! فليست هذه حرية بل قلة أدب! وهكذا تجد الكاتب الكبير قد أخذ من البيئات التي تربى في وسطها أفضل ما فيها، فهو قد أخذ من بيئة عمته المحافظة التمسك بالأخلاق ، وأن المرأة مكانها الأول البيت، ومن حياة أمه تعلم أيضا أهمية الأخلاق وأن تكون سيدتي حرة صاحبة شخصية وعلى قدم المساواة مع الرجل وليست خادمة له، ولها دورها الكبير في المجتمع. 
والمعروف أن والدته هذه كانت صاحبة جمال ملفت للنظر، لكنها في ذات الوقت شخصيتها عارمة تضاهي شخصية أي رجل ، ولها أنياب وأظافر تدافع بها عن نفسها في غابة الرجال حيث تعيش بينهم بحكم عملها، ومن هنا عاشت محل تقدير واحترام الجميع وعلى رأسهم أبنها الذي كان يقول : لم أجد في حياتي امرأة عندها القدرة على أن تكون عاصفة ترابية ، وفي ذات الوقت حديقة غناء! يعني امرأة حديدية لكنها رقيقة مثل النسمة. ومن تجتمع فيها هذه الصفات لابد أن تكون حواء بالدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق