ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الاثنين، 16 أغسطس 2021

من حكايات إحسان عبدالقدوس



أواخر عام ٥١ معارك القناة على أشدها بين الفدائيين والإنجليز عقب إلغاء المعاهدة، وكان يجلس في بلدته يتابع أنباء القتال، لم يكن يتابعها بالتفصيل، لم تكن له طاقة على قراءة المقالات الطوال، أو تفاصيل الأنباء ، إنما كان يقرأ العناوين الضخمة ثم العناوين الصغيرة، ثم يلقي بالجريدة جانباً ويسرح، وكان يستمع الى الأنباء تذاع من محطة الإذاعة دون أن يلقي إليها انتباهه كله، لم يكن يطيق أيضاً أن يستمع إلى صوت المذيع وهو يتحدث كثيراً، كلمات كبيرة ضخمة لا يتحملها. 

كان يحس بها في صدره وفي دمه. 

وكان إحساسه بسيطا، ليس فيه تعقيد ولا تفاصيل، مجرد إحساس بأن هناك معركة يجب أن يشترك فيها. 

ودون أن يتكلم ودون أن يودع أحدا حمل في يده حقيبة صغيرة وجاء إلى القاهرة. 

وبحث عن مقر إحدى كتائب الفدائيين .. أي كتيبة .. فلم يكن يهمه هذه الكتيبة أو تلك، المهم أن يعطوه سلاحا ثم يذهب إلى هناك، إلى المعركة .

وقادوه إلى مكتب أحد المحامين، ووجد هناك الكثيرين، وجلس بينهم يستمع إلى كلام كتير، كلهم يتكلمون، يقولون كلاما لا يهمه أبدا أن يسمعه، بل لا يطيق أن يسمعه.

وسد أذنيه وسرح كعادته، وانتبه إليه أحدهم وسأله : 

ماذا تريد؟ 

ورفع عينيه وقال في كسل: .أريد سلاحا .. أريد أن أذهب إلى هناك. 

وأدار الآخر رأسه دون أن يجيبه، وعاد يتكلم مع زملاءه، كلاما كثيرا لا ينتهي ، كلاما تطرقع فيه كلمات ضخمة، وهو لا يطيق الكلمات الضخمة، فعاد يسرح كعادته.

وبعد فترة طويلة ألتفت إليه واحد آخر وسأله : 

ماذا تريد؟ 

وقال دون أن تتغير لهجته الكسولة: 

أريد سلاحا، أريد أن أذهب إلى هناك.

وابتسم محدثه إبتسامة لا معنى لها، لعلها إبتسامة رثاء واشفاق، ثم أدار رأسه وانهمك في حديث زملاءه، نفس الحديث الذي لا ينتهي.! 

وكاد الليل أن ينتهي ، عندما ألتفت إليه المحامي صاحب المكتب وكرر عليه نفس السؤال: 

ماذا تريد؟ 

واجاب كالببغاء: 

أريد سلاحا اريد ان اذهب الى هناك! 

وأدار المحامي رأسه وعاد يتحدث مع زملاءه، ومن خلال الحديث مد يده وفتح دولابا اخرج منه بندقية وعلبة رصاص، ناولها لصاحبنا دون أن يلتفت إليه، وهو لا يزال يتحدث مع زملاءه. 

والتقط البندقية وعلبة الرصاص وفي عينيه فرحة، ثم قام وذهب إلى القتال. 

ولم يجد هناك شيئاً، لم يجد تنظيما، ولا معسكرا، ولا قائداً يقوده، ولكنه وجد الإنجليز وبدأ يقتلهم. 

قتل كثيراً من الإنجليز .

كان يضع لنفسه خطط التسلل والتربص والانقضاض، ثم يقتل! 

وبعد أيام كثيرة وكثير من القتل جرح، أصابته رصاصة إنجليزية في كتفه، وزحف إلى كوخ فلاح آواه وضمد جرحه.

وعاد إلى القاهرة يحمل ذراعه فوق صدره، ومر على مكتب المحامي فأعاد إليه البندقية، تركها عند الكاتب دون أن يسعى لمقابلة المحامي ثم عاد إلى بلده، دون أن يحاول أن يبحث في الصحف عن تفاصيل الأنباء ليرى أسمه بينها في سجل الأبطال. 

إنه لا يطيق قراءة التفاصيل، ولا يطيق الاستماع إلى صوت المذيع، أنه لا يطيق الكلام الكثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق