ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

عجائب عبد القدوس - مكافأة من السماء بعدما قمت بتنظيف دورة المياه!



لا أنسى أبدا تلك المفارقة العجيبة التي جرت خلال إعتقالي لأول مرة عام ١٩٨١ والتي أراها صدفة خير من مليون ميعاد!! وبطلتها ست الحبايب والدتي ربنا يرحمها مليون رحمة وصورتها بين يديك،. 

مكثت وراء الشمس أربعة أشهر، وتنقلت بين عدة سجون. وأتذكر جيدا أنني في سجن أبوزعبل كنت مقيماً في عنبر يضم عدد من رفقاء الحبسة، والظروف صعبة وغير مسموح بأي شيء، وأبواب الزنازين مغلقة تماما فلا تفتح إلا إستثناء، والهدف قطع صلة السجين بالعالم الخارجي تماماً! وفي العنبر الذي كنت أقيم فيه توجد دورة مياه، نقضي فيه حاجاتنا، وإتفقنا أن يتولى كل واحد منا تنظيفها بالدور يوميا، وجاء دوري لكي أقوم بهذه المهمة "وأمسح التواليت"! ورفض زملائي أن أفعل ذلك، قال أحدهم :"أنت إبن باشا وصحفي معروف وساكن في الزمالك .. خللي هذه المهمة يقوم بها الناس الغلابة اللي زينا"!! 

لكنني رفضت بشدة هذا المنطق! 

وقمت من مكاني مصرا على جعل دورة المياه المتسخة كأنظف ما تكون. 

وبعدها بدقائق وكنا بعد المغرب حدثت مفاجأة، فوجئت بميكروفون السجن ينادي أسمي!! وأعترف لكم أن القلق أصابني جدا وكمان جدا، والسبب أن هناك عدد من السجناء غادروا السجن إلى مكان آخر تشرف عليه أمن الدولة مباشرة ويتم إستجوابهم في هذا المكان وبالطبع يتعرضون للضرب والتلطيش والبهدلة!! 

وخرجت من العنبر بعد وداع حار من زملائي، وفي حوش السجن جاءني أحد الضباط قائلا: ماتخافش إن شاء الله خير!! وركب معي في لوري الشرطة ثلاثة من الشباب السجناء، وانطلقت بنا السيارة في طريق المعادي .. وكان واضحاً أنها ذاهبة إلى هذا السجن المشدد، وبالفعل دخلت السيارة إلى المكان وتوقفت، وكانت الساعة حوالي التاسعة مساءاً، وإنتظرنا وكان أطول إنتظار في تاريخ حياتي!! وبعد برهة جاء من يفتح أبواب اللوري .. وينادي على أسماء الشباب، ويتم كلبشة كل واحد منهم ووضع قماش سميك محكم على عينيه بحيث لا يرى شيئا، ثم يتم إدخاله إلى باب السجن، وتألمت جدا وأنا أشاهد حالهم وسوء معاملتهم، وكنت في أنتظار دوري، لكن أحد لم ينادي على أسمي وبقيت وحدي في سيارة الترحيلات، وجاء من يغلق بابها من جديد، وإنتظرت مرة أخرى مدة هي الأطول في تاريخ حياتي، وأخيراً جاء ضابط وركب بجوار السائق وتحركت السيارة من جديد وإبتعدنا عن المكان، وإنطلقنا إلى سجن آخر أسمه ملحق مزرعة طرة، وكان هذا السجن مخصص لأهل السياسية والصحفيين وأساتذة الجامعات .. وفيها كبار القوم الذين تم القبض عليهم وعلى رأسهم الوزير "محمد فائق" "وفؤاد سراج الدين" باشا رئيس الوفد والكاتب المتألق دوماً "محمد حسنين هيكل"!!  

وكنت أظن أنني ذاهب إلى جحيم المعتقلات، فإذا بي أجد نفسي في أفضل سجن في مصر في هذا الوقت!! وفي اليوم التالي عندما علموا بوصولي أخذوني بالقبلات والأحضان!! وكان هؤلاء السياسيين ينظرون لي قبل الاعتقالات على أنني صحفي شاطر، وبعدها صديقا لهم جميعاً، وهذا أفادني جدا في حياتي الصحفية والمهنية بعد ذلك!! فشكراً لمن حبسني!! والشكر الأكبر لست الحبايب والدتي الجدعة رحمها الله التي بذلت كل جهد ممكن لتحسين ظروف إعتقالي، حتى أنها بعد موت "السادات" رحمه الله، إتصلت بمكتب وزير الداخلية وطالبت بنقل "أبنها" من أبوزعبل إلى  السجن المحبوس فيه أهل السياسة والصحفيين، وهذا ما تم بالفعل وتغيرت حياتي تماماً وراء الشمس فالطعام من الخارج والزيارات والصحف كل هذا مسموح به، وتفتح أبواب الزنازين في الصباح ولا تغلق إلا عند الغروب!! 

وهذا بالطبع إستثناء جدا في أوضاع السجون ببلادنا، ولكنه هو الغالب في سجون الدول المتحضرة، وأتمنى أن تكون بلادي واحدة منها. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق