ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الخميس، 23 سبتمبر 2021

حكايات إحسان عبد القدوس - انا رسام



انا رسام ۰۰ وعندما أرسم وجها من الوجوه التي اختارها ، لا أرسم ما أراه بعینی ، ولكني أرسم صورة صاحب هذا الوجه كما اتخيله 

أرسم رأيي فيه.. أرسم حكمي عليه..

كل ذلك ينبعث من داخلى ، ويكون رأيي في الوجه الذي ارسمه.

وقد تعودت ان انظر الى وجوه الناس الذين ألتقى بهم ، وأرى فيها اکثر مما يراه الرجل العادی ۰۰ انظر اليها بعيني فنان ، وأرى فيها موضوعا ، لا مجرد شكل. 

وغالبا ایضا لا يعجب من أرسمه بالوجه الذي رسمته له ۰۰ انه يری وجهه في اللوحة ، ولكنه يرى بجانب وجهه رأیی فیه ..فيغضب. 

الى أن ألتقيت بسوسن ۰۰

التقيت بها على شاطىء البحر .

رأيتها من بعيد ۰۰ وتعلقت بها عینای كأني أشهق.. لم أر من قبل مثل هذا الجمال ..

جمال برئ.. هادی ۰۰ مريح .. كالدموع ۰۰

کالنغم الحزين .. كالتنهد .. وشعرها في لون البندق ، تشده إلى الوراء، كانها تخشى أن يسرقه منها الهواء، وعيناها ملونتان ، واسعتان ، فيهما دهشة دائمة.. دهشة ساذجة ، كأنها دهشة طفل يفتح عينيه على الحياة لأول مرة .. 

ولم تكن ترتدى مایوها كبقية البنات.. 

كانت ترتدي ثوبا ازرق ، مقفولا حتى رقبتها ، وأكمامه تصل الى منتصف ذراعيها .. وكانت تعبث بأصابعها في الرمال

وقفت أبحلق فيها ، من بعيد ، وخيالي يرسم لها صورة .. واحترت في عنوان الصورة هل أسميها , القديسة ، أو الطاهرة ، أو براءة ، أو ملاك ، .. أو .. أو 

ولم تلتفت إلي سوسن .. انها أشد براءة من أن يمسها غبار آدمی مثلى .. اشد طهرا من أن ترفع عينيها الى مخلوق من طين

وقضيت يومي أحلم بالصورة التي ارسمها لها ۰۰

ثم مضت الأيام ولم أعد أحلم بالصورة ، بل اصبحت أحلم بها

بشخصها کأنی أحببتها

ربما أحببتها فعلا وكان يجب أن أعرفها وأن ارسمها

وأصبحت أتبعها وأنا أبحث عن الطريق اليها .. وعرفت كل أقاربها وكل صديقاتها ، وصديقات صديقاتها

إلى أن وجدت فتاة أعرفها ويمكن أن تقدمني لها ۰۰ و ۰۰

وعرفتها.. 

وفي أول لقاء ، لم أستطع أن أنتظر أكثر مما انتظرت ، فدعوتها لأن تجلس أمامي لأرسمها

وقبلت .. 

قبلت فورا . لاشك أنها تؤمن بالفن

ولذلك قبلت بهذه السهولة ، وبهذه السرعة

وواعدتها على أن تأتي إلى منزلي الذي أقيم فيها مع عائلتي

إن معي إخوتي البنات وليس هناك غبار على هذه الدعوة .

وقبلت.. 

وقضيت الصباح كله أعد نفسي لإستقبالها.. 

اخترت المكان الذي ستجلس فيه بحيث يبدو البحر من ورائها ، ليضفي على اللوحة مسحة من الشاعرية 

واشتريت زهورا بيضاء في لون الطهر ، ووضعتها بجانب المقعد الذي ستجلس عليه .. واخترت الألوان التي سأرسمها بها .. كلها ألوان هادئة بريئة ..

 وأجلستها في المكان الذي اخترته

وانا ارتجف من النشوة كأني مقبل على أهم عمل في حياتي

كأني على وشك أن أدق بفرشاتی باب كنز.. 

کنز الخلود

کنز المجد

وبدأت أرسم وجهها •

ولم تمض دقائق حتى بدأت سوسن تتكلم :

قول يا أستاذ وحيد .. أنت حاتنشر الصورة في أي مجلة ؟ 

وكذبت أذني .. 

لا يمكن أن تكون سوسن حريصة على أن تنشر صورتها في المجلات .. 

إنها أكثر براءة من ذلك .. لعلها تريد أن تطمئن .. 

واجبتها: 

مش هانشرها أبدا .. 

وسمعتها تقول في حيرة : 

يا خسارة .. 

وعدت أكذب أذني ..

 ولكنها إستطردت : 

يعني محدش حايشوفها أبدا .. 

وقلت وأنا أغالب نفسي .. إزاي .. ناس كتير حايشوفوها 

قالت : 

أنا عايزاك ترسمني حلوة قوي .. علشان أغيظ صاحبتي .. مرفت .. 

وكنت في هذه الأثناء أرسم شعرها ..

كنت أرسم بلون بندقي هادئ .. فإذا بي ودون أن أدري، أضيف إليه كثيرا من اللون الأصفر ، فيبدو في الصورة ، كأنه شعر مصبوغ .. رخيص ! 

وبدأت سوسن تتململ في جلستها .. وعادت تتكلم : 

لماذا تتكلم هذه الفتاة ؟! 

لماذا لا تسكت ، حتى تصون لي خيالي الذي ارسمها به .. حتى تصون لي رأيي فيها .. 

وكنت في هذه اللحظة أرسم

عينيها كنت أرسمها بلون يغلب عليه الأزرق الفاتح

كلون البحر الذي يطل من ورائها كأنها في عينيها رحیق الطهر ..  

ودون أن أدري اختلطت الألوان في فرشاتی .. واذا بالألوان الفاتحة تغمق ، واذا بي أرسم عينيها ، وليس فيهما دهشة الطفل ، ولكن فيهما جوع ..

 جوع القطة النهمة !

وازداد تململ سوسن في جلستها

.. انها لا تستطيع أن تستقر لا تستطيع أن تهدا .. ولمحتها ترفع ثوبها عن ساقيها ، كأنها تغرینی بهما .. كأنها تحاول أن تلهيني عن فنی ..

 وكنت في هذه اللحظة ارسم شفتيها .. الشفتان اللتان تخيلتهما هادئتين نظيفتين ، كشفتی الجيو کندا ..

واذا بي أرسمها شفاه غامقه في لون الدم .. مثيرة .. وتعبت ..

وطلبت من سوسن أن تأتي في اليوم التالي بالثوب الذي تريدني أن أرسمها به .. وكنت قد أعددت في خیالی ثوبا مقفولا لونه أخضر فاتح .. 

ولكنها جاءت إلي بثوب أسود مفتوح .. ثوب يكشف عن لحم صدرها ، وعن كل ظهرها .. ووقفت تتمايل أمامي ، وتقول لي :

حلو الفستان يا أستاذ وحيد

مش حلو والنبي .. ده أنا واخده الموديل بتاعه من كريستيان ديور.

ورسمتها. 

ورسمت الفستان في لون أحمر فاقع .. يكشف عن ساقيها .. ، وصدرها ، 

ولم أرسم خلفها مياه البحر الزرقاء ، بل رسمت .. فانوس نور !! 

ولم أر سوسن بعد ذلك .. لا أريد أن أراها .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق