ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الأربعاء، 20 مارس 2024

يوم لا أنساه - أخطر اللحظات في تاريخ مصر وتليفون العاشرة مساء!


النهاردة العاشر من رمضان ذكرى يوم مجيد في تاريخ مصر حيث كان تحرير سيناء في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣.


وفي رحلتي الصحفية مع الصحف الورقية التي أستمرت ما يقرب من نصف قرن (تحديداً ٤٧ عاماً) ألتقيت مع نجوم المجتمع أشكال وألوان في مختلف المجالات.


ومن بين هؤلاء المهندس "سيد مرعي" رحمه الله رئيس مجلس الشعب ومساعد رئيس الجمهورية ، وكان من أقرب المقربين إلى الرئيس "السادات" قائد حرب أكتوبر رحمه الله ..


سألته عن يوم لا ينساه في حياته فأجابني دون تردد الساعات الأولى لبداية تلك الحرب ، وكنت مع قائدها في قصر الطاهرة حيث كان يقيم هناك خلال أيام المعركة ..

ويشرح ما دار بينهم بالتفصيل ويقول: كانت الساعة تقترب من السابعة والنصف مساء عندما دخلت على "الريس" في الحجرة السفلى الملحقة بالصالون الكبير بقصر الطاهرة.

ورأيته غاية في الهدوء يدخن غليونه الشهير !

سألته يا سيادة الرئيس ما هي الأخبار ؟

أجاب في ثقة: "الحمد لله .. الحمد لله .. الأخبار عظيمة جداً" 

ويقول"سيد مرعي" : كنت أخشى من تكرار مأساة ١٩٦٧ عندما سمع الشعب أخبار عظيمة عن سير المعركة ثم فوجئ بهزيمة مدوية !!

لكنني هنا في حضرة القائد وإجابته مختصرة ولم أطمئن منها .. يعني إيه أخبار عظيمة ؟؟

عندي مليون سؤال وسؤال .. فإن كابوس يونيو مازال في عقلي الباطن ..

سألته من جديد: وهل عبرت قواتنا قناة السويس ؟؟

قال بنفس إجابته المختصرة: نعم !!

وبدا وكأنه أشفق على مخاوفي فأضاف قائلاً: أطمئن يا "سيد" ..كل شيء يسير حسب الخطة الموضوعة .. الحمد لله.

سألته من جديد: وهل القوات التي عبرت أفراد ام دبابات ؟؟

وسحب الرئيس نفساً من غليونه وهو يقول عبرنا بالأفراد !

وسكت خوفاً من مضايقة "السادات" بالأسئلة المتلاحقة .. وقلبي فرحا ، لكن به مخاوف أيضاً !!

ومرت ساعة أو أكثر والرئيس هادئ لا يتكلم وطيلة هذا الوقت تدخل الى الرئيس أوراق ثم تخرج بعدما يطلع عليها .. وبعد مرور هذا الوقت الطويل: عدت أسأله عن الأخبار فأجاب: تمام .. أولادنا الذين عبروا دمروا أعداد ضخمة من الدبابات الإسرائيلية بمدافع ال "آر بي جي" !! قلت وقلبي يرقص من الفرحة: يعني أولادنا عبروا بالفعل !!

رد القائد الذي يحفظ تماماً شجاعة جنوده وكفاءتهم : نعم لقد عبر أبطالنا بالآلاف وأقاموا الكباري المتحركة على قناة السويس وأستولوا على الجزء الأكبر من خط "بارليف" ..

رأيت دموع الفرح تنزل من عيني دون أن أدري بينما "السادات" هادئ تماماً ووجهه كله ثقة واطمئنان ومازال يدخن غليونه !!

وعندما رأى دموع فرحتي أبتسم دون تعليق من جانبه .. لكنني كففت دموعي بسرعة فقد طرأ علي ذهني سؤال خطير جداً سألته للرئيس على الفور: وطيران العدو يا ريس !

وقبل أن أكمل كلامي قال السادات ": أطمئن يا"سيد" أطمئن.. كل شيء معمول حسابه تماماً.

سألته من جديد: وهل بدأ عبور الدبابات هي الأخرى ؟؟

ويبدو أنه ضاق من أسئلتي فلم يرد على سؤالي بل قال: أسمع يا "سيد" .. في العاشرة مساء سيرن جرس التليفون وسيكون المتحدث المشير "أحمد إسماعيل" ليعطيني التمام !!

ويقول المرحوم "سيد مرعي" في حواره معي: ظللت أنتظر تليفون العاشرة مساء على أحر من الجمر .. الدقائق تمر بطيئة متثاقلة وكأنها الدهر ، إنه أطول إنتظار في حياتي كلها.

وأخيراً رن جرس التليفون على المنضدة الصغيرة بجوار الرئيس .. 

إنني أتذكر تلك اللحظات وكأنها بالأمس القريب مع أنه مر عليها سنوات وسنوات .. نظرت إلى سماعة التليفون ثم إلى ساعتي إنها العاشرة مساء بالضبط ثم نظرت إلى وجه الرئيس الذي يبدو أنه أشفق على حالتي فقال لي: رد على التليفون يا "سيد" .. ورفعت سماعة التليفون .. نعم إنه الفريق "أحمد إسماعيل" ، ولم أجد الشجاعة أن أسأله في وجود القائد الذي خطط للمعركة كلها.

ومن لحظتها أصبحت المكالمة بالنسبة لي من طرف واحد مما يلي:

الرئيس تمام يا "أحمد".

وبعد قليل يقول عال جداً.

وبعدها بدقائق: دي خسائر بسيطة.

وبعدها بلحظتين .. مضبوط يا "أحمد".

ثم سأل: الأبطال .. روحهم المعنوية عاملة إزاي ؟؟

وأخيراً قال : عظيم يا "أحمد" .. عظيم جداً مبروك يا "أحمد" 


وكانت كلمة مبروك في تلك اللحظات أجمل كلمة سمعتها في حياتي كلها .. أنها مختلفة عن أي "مبروك" تقال في المناسبات المختلفة وما أكثرها .. كلمة مبروك التي قالها القائد تعني التهنئة والثقة والفخر بجيشنا العظيم على هذا الإنجاز  الذي تحقق .. كلمة مبروك تعني الكرامة والثأر من العدو الصهيوني .. كلمة مبروك تعني القضاء على التمزق والمرارة الاي رافقتنا سنوات عدة وتعني أن مصر كلها دخلت مرحلة جديدة من حياتها ..  مبروك  .. 


ومن فضلك أنتظرني لتتعرف على الحوار الذي دار بين "السادات" وزوجته السيدة "جيهان" قبيل الحرب مباشرة .. وربنا يرحمهم جميعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق