ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

السبت، 23 مارس 2024

عجائب عبد القدوس - الضابط الملاك الذي قادني إلى سيناء!!



بمناسبة حديثي عن حرب العاشر من رمضان  هناك واقعة استثنائية ولا أنساها أبدا حدثت بعد انتهاء الحرب مباشرة.. لأنني كنت من أوائل المدنيين الذين التقوا بأبطالنا في أرض سيناء التي نجحوا في تحريرها..

ألتقيت بهم داخل حصونهم وذلك بفضل ضابط لا أعرفه ولا حتى أعرف رتبته ، لكنني رأيته مثل "الملاك" قادماً من السماء ليأخذني بيدي إلى سيناء.


وأبدأ الحكاية من أولها كنت وقتها طالبا في السنوات النهائية بالجامعة. وفور قيام الحرب سارعت إلى التطوع فيما يسمى بالدفاع الشعبي وقيدت أسمي هناك في مبنى يتبع للأتحاد الإشتراكي مكان "حزب التجمع" الحالي بالقرب من ميدان طلعت حرب.

وبعد أيام جاءت التعليمات بسفر هذه الدفعة من المتطوعين إلى الإسماعيلية.

وبالفعل سافرنا إلى هناك بعد قرار وقف إطلاق النار مباشرة.. وكان معي عدد من عمال مطبعة "روزاليوسف" الذين كانوا نعم الرفاق في الرحلة.. وعملوا على راحتي طيلة مدة الإقامة في الإسماعيلية التي زادت عن شهر.

وكان قائدنا في الدفاع الشعبي النقيب "علي زايد" وهو ما زال حي يرزق حتى اليوم وقد تواصلت معه قبل أيام.

وعند وصولنا تم توزيعنا وكنا بالمئات من المتطوعين المحبين لمصر على بيوت الإسماعيلية ومعظمها مدمر بفعل الحرب وسكانها هاجروا المدينة إلى أماكن أخرى.

وكانت مهمتنا تحديداً تبدأ عند قدوم الليل.. حيث يقوم الدفاع الشعبي الذي أنتمي إليه ويتبع القوات المسلحة مباشرة بإغلاق شوارع الإسماعيلية تماماً ، فلا يسمح بالمرور لأي شخص إلا بعد أن يقول "كلمة السر"..

وهي تتغير على الدوام وكنا نعرفها قبل تواجدنا في الخدمة ليلاً.. وكان هناك إلحاح من القيادة بضرورة التأكد من كل إنسان نستوقفه لا فارق بين مدني وعسكري إلا بعد أن يقول كلمة السر حيث كان هناك خشية من أن يرتدي أعداءنا من الصهاينة لباس الجنود المصريين ويتسللوا إلى المدينة للقيام بأعمال تخريبية.


وبعد إنتهاء الوردية نعود إلى أماكننا للنوم حتى الظهر وبعدها فترة راحة حيث كنا ننطلق إلى مقاهي المدينة.. ومعظم روادها من الجنود والضباط الأبطال القادمين من سيناء في أجازة قصيرة.. وكنا نأخذهم بالأحضان ونستمع إلى قصصهم المشوقة حول الحرب والعبور وحكايات عن بطولات جيشنا الذي قهر الجيش الذي لا يقهر!!


وفي يوم كنت جالساً مع مجموعة من أبطالنا.. في جلسة تعارف وكل واحد من المتطوعين يقدم نفسه.. وبعدما قدمت نفسي..

 سألني أحدهم: أنت إبن "إحسان عبدالقدوس" .. أنا معجب قوي قوي بوالدك.. أنا راجع سيناء دلوقتي.. تحب تيجي معايا!!

ولم أتردد بالطبع وطرت من الفرحة!!

وغادرنا المقهى وأنا أحلم ولا أصدق نفسي ولم يخبرني عن شخصيته ولكنني كنت متأكد أنني في أيد أمينة.. وكانت هناك بالطبع العشرات من نقاط التفتيش ، وكنا نقابل في كل منها بترحيب ونمر بكل سهولة فقلت في نفسي: المؤكد أن مرافقي هذا ضابط من القادة، وكان يحدثني خلال رحلتنا عن مدى إعجابه بقصص حبيبي أبي وأن أسرته كلها تحبه.. وعبرنا في "لنش" إلى الضفة الأخرى وصعدنا إلى الدشم العسكرية الي كانت قائمة وألتقيت بأبطالنا وكل من أقابله لابد من إحتضانه شكراً له على ما قدمه.. ومصر كلها فرحانة بكم..

ولاحظت أن مرافقي محل إحترام من الجميع فتأكدت أنه شخصية بارزة بين الضباط.. وقمت بجولة سريعة في الأراضي المحررة القريبة مني.. ولاحظت بأم عيني دبابة إسرائيلية محترقة بل وجثة جندي إسرائيلي.. وبقايا اشياء كثيرة مبعثرة تتبع العدو، وأخذت كثير منها تذكار لهذه الرحلة التاريخية ظلت معي لسنوات وسنوات ، وعدت من جديد إلى الإسماعيلية برفقة هذا "الضابط الملاك" وأحزنني أنني لم أتعرف عليه ولم نتواصل بعد ذلك.. 

وبعد عودتي كانت هناك مفاجأة أخرى في إنتظاري.. جاءني إبن خالتي وكان ضابطاً في الدفاع الجوي وأخبرني أن قائده يدعوني إلى العشاء معه.. وذهبت إلى هناك وألتقيت بهذا القائد الشجاع وضباطه الأبطال من الدفاع الجوي وكان عملهم شاق جداً وهم يواجهون طائرات العدو.


إنها أيام لا أنساها أبدا برغم مرور نصف قرن عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق