ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الأحد، 26 فبراير 2023

حكايات إحسان عبد القدوس - 3 فوجئ الطلاب المعتصمون بما لم يخطر ببالهم أبدا !!




أصيب والدي الحبيب رحمه الله "بخضة" عندما أخبرته أنني ذاهب إلى الجامعة !! وكان قد صدر قرار بإغلاق جميع الجامعات المصرية بعد الاحتجاجات العنيفة التي قام بها الطلاب.

وتساءل حبيبي أبي في عصبية : أنت عايز يتقبض عليك ولا إيه ؟؟ كفاية كدة قمت بدورك وعبرت عن رأيك .. أهدا بقى !!


 وبعد مناقشات إتفقنا على الذهاب إلى الجامعة ، ونتابع الموقف "من بعيد لبعيد" ونعود إلى البيت في أسرع وقت ! 

وانطلقت مع شقيقي الحبيب إلى هناك .. وكانت جحافل الأمن المركزي التي كانت في بداية تكوينها ونشأتها تحكم حصارها حول الجامعة لكن الشوارع كانت عادية .. وعلمنا من بعض زملاءنا الطلاب الذين يراقبون الموقف من بعيد لبعيد أيضاً أن هناك إعتصام في كلية الهندسة ، وأنه يمكن الوصول إليها عن طريق "حديقة الحيوان" المجاورة لها .. وهذا ما فعلناه .. قمنا بالتسلل فرادى إلى هناك ، وقفزنا السور الذي يفصل حديقة الحيوان عن الكلية ، ونجحنا في الإنضمام إلى زملاءنا المعتصمين !!


وبعد فترة قصيرة جداً .. أقل من ساعة أكتشفت الشرطة تلك الثغرة ، فصدر قرار بإغلاق حديقة الحيوان على الفور ومنع الدخول نهائيا.

وكنا حوالي ٣٠٠ طالب من مختلف كليات الجامعة وأغلبهم من الهندسة ولنا مطالب واضحة تتمثل في الإفراج عن جميع الطلاب الذين تم القبض عليهم بالأمس خلال الاحتجاجات ، وإعادة محاكمة قادة الطيران ، وإعطاء وعود ببدء إصلاحات جادة في نظام الحكم .. ولا أدري كيف وصلت مطالبنا إلى وكالات الأنباء وقد تصدرت أخبارها واهتمت بها الصحف العالمية ، وقلنا أننا لن تتراجع عن مطالبنا ، ولن نفض الاعتصام إلا بعد تحقيقها.

ومكثنا معتصمين ثلاث أيام بلياليها ، والمنطقة محاصرة تماماً ، والنور مقطوع وممنوع إدخال أي شيء لنا !! لكن ربنا ستر وعرفنا كيف نأكل ونشرب ، لكننا كنا نخشى جداً جداً من اقتحام الشرطة للهندسة لفض الاعتصام بالقوة والقبض علينا !! 

وقبيل مغرب اليوم الثالث فوجئنا جميعاً بما لم نتوقعه أبدا .. العديد من سيارات الأجرة تتدفق على المكان وتتوقف أمام مقر كلية الهندسة .. تعجبنا جداً فالشرطة تحاصرنا من كل جانب ، فكيف سمحوا لهم بالدخول ؟ وماذا أعدوا لنا .. ولم يطل إنتظارنا كثيراً .. جاءت مجموعة من لواءات الشرطة الموجودة في الحصار قائلين : إتفضلوا .. الحكومة تدعوكم للحوار معها في مجلس الأمة .. ولم نصدق في البداية .. ظنناها خدعة .. وبدلاً من أن نذهب إلى البرلمان سيذهبون بنا إلى سجن أبو زعبل !! . وبذلك يتم فض الاعتصام بطريقة سلمية تماماً .. وبعد أخذ ورد تأكد لنا أن هناك مسئولين بالدولة في إنتظارنا للحوار معهم .. ووافقنا بعد تردد ، وكان البعض منا يريدون أن نتحاور مع السلطة في مبنى الهندسة حيث الاعتصام وليس في مقر البرلمان ، لكن رأي الأغلبية تغلب في النهاية التي رأت أنها طريقة طيبة تحفظ كرامتنا .. وكويس قوي أن الحكومة تريد التفاوض معنا بدلاً من القبض علينا .. وانطلقنا إلى هناك فيما يشبه الزفة حيث كانت سيارات النجدة ترافقنا ، وتساءلت بيني وبين نفسي : لماذا لم يستخدم في نقلنا أتوبيسات بدلاً من هذا العدد الكبير من سيارات التاكسي ، ولم أجد إجابة بالطبع.


ودخلنا إلى القاعة التي يجتمع فيها النواب عادة وسط ترحيب الموظفين وبعدها بدقائق دخل علينا رئيس المجلس "أنور السادات" و"لبيب شقير" وزير التعليم و""شعراوي جمعة" وزير الداخلية .. وبالطبع لمحنا "السادات" من جديد وهو يدير عينيه بين الطلاب ، وكان هناك مصور يلتقط صور جميع الجالسين ، واتضح فيما بعد أنه يتبع وزارة الداخلية ، يعني ملف أمني لكل منا ، وأوكلنا للحديث نيابة عن الطلاب عدد من زملاءنا الذين شرحوا مطالبنا بوضوح محتجين على الصدام الدامي الذي جرى في الاحتجاجات مع الشرطة ومطالبين بالإفراج عن الطلاب المعتقلين.

وبعدها تحدث "السادات" بإستفاضة وأكتفى الوزراء الذين كانوا معه بالصمت ، وبدأ حواره بنقل تحيات الرئيس "جمال عبدالناصر" إلينا مؤكداً أن ثورة يوليو لا تتصور أبدا أن يقع صدام بينها وبين أبناءها الطلاب خاصة في هذه الظروف الدقيقة والقاسية التي تمر بها مصر.

وقال أن ما جرى صفحة مؤلمة وانتهت ، وأنه سيتم الإفراج عن جميع من تم القبض عليهم في هذه الاحتجاجات ، وأكد أن هناك إصلاحات قادمة لتقوية الجبهة الداخلية .. وعلينا الآن أن ننصرف إلى بيوتنا ونحن في أمان كامل .


وعدت إلى منزلي ، وتوقعت أن يكون حبيبي أبي زعلان مني ، لكنه على العكس أخذني أنا وأخي بالأحضان .


وفي نهاية شهر مارس أصدر "ناصر" بيان ٣٠ مارس تضمن وعود بإصلاحات عديدة لم ينفذ شيء منها ، وبقيت حبر على الورق ، وعادت الجامعات إلى فتح أبوابها من جديد بعد أكثر من شهر من توقف الدراسة ، لكن كان هناك تشديد ورقابة صارمة في الدخول إلى الكليات ، وظننت مع غيري أن هناك صفحة جديدة قد بدأت ، لكن للأسف لم يحدث تغيرا في الأوضاع الداخلية إلا قليلاً ، ثم وقعت مفاجأة صاعقة لم نتوقعها أبدا أصابت والدي بالذهول ، لكنه كان قوياً شامخاً رائعا كما أعتدت رؤيته في كل المواقف الصعبة.


وإلى اللقاء في المقال القادم لأخبرك بالمصيبة التي وقعت !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق