ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الاثنين، 27 فبراير 2023

حكايات إحسان عبد القدوس- 4 الكلام لك يا جارة وبعدها وقعت بلوى !!


عام ١٩٦٨ مختلف بالتأكيد عن كل الأعوام السابقة .. 

جديراً بأن نطلق عليه عام الطلاب ليس في مصر وحدها ، بل في العالم كله شرقاً وغرباً  .. 

ففي "الولايات المتحدة الأمريكية" ثارت الجامعات هناك ضد حرب "فيتنام" ، وفي "فرنسا" إنفجرت ثورة طلابية ضد قائد تاريخي يحكمها هو الجنرال "ديجول" ، وإنتصاره على النازية وإنجازاته الضخمة لم تشفع له عند الشباب الذين ثاروا إحتجاجا على كثير من الأوضاع الخاطئة فالقائد العظيم ليس معصوماً من النقد والإحتجاج ضده إذا أخطأ ، وفي "بولندا" ثار الطلبة هناك ضد الحكم الشيوعي الجاثم على أنفاس البلاد والعباد .. 

ولفت نظر حبيبي أبي خبر نشرته "الأهرام" في برواز بصفحتها الأولى  : "عزل جميع المسئولين الذين استرك أولادهم في المظاهرات ببولندا" !! وتساءل في عجب : وما أهمية هذا الخبر عند "الأهرام" حتى تنشره في مكان بارز بصفحتها الأولى ؟! 

وكان من الواضح أن هذا تمهيدا لما بعده على طريقة "الكلام لك يا جارة" ، خاصة وأن الجريدة العريقة كان يقودها في ذلك الوقت أحد أساطين الصحافة المصرية "محمد حسنين هيكل" رحمه الله المقرب جداً من "عبدالناصر" والمعبر عنه ، وقال والدي لنا : "باين أنه سيتم فصلي قريباً جداً " !! 

وكان حبيبي يشغل منصب رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" وصدق توقعه ، ولم تمض أيام حتى تم عزله مع غيره من المسئولين في مختلف المواقع على الطريقة البولندية !! 

ولأول وهلة قد تظن حضرتك أن والدنا إنفجر فينا بعد عزله ، واتهمني أنا وأخي بأننا السبب في تلك البلوى التي حلت بالأسرة كلها ، رغم أن "السادات" منذ البداية حذره بشدة من سلوكنا في اليوم الأول من الإحتجاجات في مكالمة تليفونية عاصفة قائلاً له " بلاش تكتب قصص وروح ربي أولادك !! 


وصدق أو لا تصدق حبيبي أبي لم تتغير معاملته لنا أبدا واستمر "سانو" وهو الإسم الذي أشتهر به بين أهل بيته وأصدقائه المقربين رمزا للحب والمودة والثقة في أولاده .. وواجه تلك المصيبة بكل شجاعة وثبات وفي هدوء لأسباب عديدة ألخصها في نقاط محددة ..


١_ لم تكن هذه أول مرة يتعرض فيها للإضطهاد .. حدث له ذلك مرات عدة سواء قبل ثورة ١٩٥٢ أو بعدها  !!


٢_ أن قوته تستند بالدرجة الأولى إلى قلمه وإبداعه ، وليس إلى المناصب التي يشغلها ، فهو أكبر منها و"إحسان عبدالقدوس" معروف "حاف كدة" بين الناس دون الحاجة إلى إضافة أي منصب إليه لتعريفه.


٣_ أنه يؤمن تماماً بحرية أولاده فهو ينادي بالحرية لمصر كلها ، ولأنه صادق فإن ما يكتبه يطبقه في بيته أولا ، يكتفي بالتوجيه والنصائح دون أن يسعى إلى أن تتحول هذه النصائح إلى أوامر !!.


٤_ مصر كلها كانت متعاطفة مع تظاهرات ١٩٦٨ ، وحبيبي أبي كان معنا ولم يندم أبدا على ذلك بعد فصله .


٥_ والحكومة نفسها شعرت أن إحتجاجات طلاب مصر تعبيراً صادقاً عن شعبها ، ولذلك تجاوب "ناصر" معها ، وسعى نظامه إلى محاورة الطلاب المعتصمين بالهندسة بدلاً من إقتحام الكلية والقبض عليهم ، وبعد ذلك أطلق سراح جميع الطلاب الذين تم القبض عليهم في الإحتجاجات ، وأصدر زعيم مصر رحمه الله بيان ٣٠ مارس وفيه وعود بإصلاحات عديدة وإن ظلت للأسف حبرا على ورق !!


وانتهت محنة حبيبي أبي "سانو" عام ١٩٦٩ يعني بعد سنة من فصله .. وتم ذلك بعدما كلف "ناصر" "أنور السادات" بالإشراف على مؤسسة "أخبار اليوم" ، الذي رأى أنه من الضروري عودة "إحسان عبدالقدوس " إلى منصبه من أجل النهوض بهذه المؤسسة فهو صحفي شاطر جداً وليس فقط كاتب قصة مبدع بالإضافة إلى أنه صديق قديم يقدره رغم أي خلاف ، واتصل بهذا الغرض بالرئيس"ناصر" طالبا منه عودة"إحسان" إلى "أخبار اليوم" ، ولم يتردد الرئيس في الموافقة على ذلك.


وبهذه المناسبة قالت لي "هدى عبدالناصر" فيما بعد وصلتي بها قوية "والدي بيحب أبوك" ولا ينسى دوره في التمهيد لثورة يوليو عندما كان في "روزاليوسف" ، ويراه دوماً من الكتاب الوطنيين ، وأخبرتني كذلك أن كل قصصه عندنا في البيت ! 

وفي أجازة الصيف الطويلة عندما كنت في ثانوي والجامعة ، كانت هوايتي الأساسية قراءة قصص والدك في إستراحة المعمورة بالإسكندرية حيث كنا نقضي الصيف هناك ، فهو كاتبي المفضل.


وهكذا عاد "إحسان عبدالقدوس" إلى بيته بأخبار اليوم ، وكان ظن "السادات" في محله تماماً أنه صحفي شاطر جداً جداً ، ولأول مرة يرتفع توزيع الصحيفة في عهده ليكسر حاجز المليون نسخة في وقت كان عدد سكان مصر لا يتجاوز أربعين مليون والعديد منهم من الأميين .. ورقم التوزيع هذا كان الأول من نوعه ليس في العالم العربي وحده ، بل في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا كلها .. وصحف العالم كله التي يزيد توزيعها عن مليون نسخة تعد على أصابع اليدين .. يعني نادرة !.

وربنا يرحم حبيبي أبي وكل من عاصره الذين ذهبوا إلى ربهم في حياة جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق