والحكاية عندما كبرنا وكنا في بدايات المرحلة الجامعية عام ١٩٦٨ ، وهي سنة لم تر الجامعات المصرية مثيل لها من قبل ، ولأول مرة يتظاهر طلاب مصر ضد نظام "عبدالناصر" منذ عام ١٩٥٤ ، وكانت تلك التظاهرات حديث العالم كله في ذلك الوقت ، فقد أعتبروا ما وقع حدث فريد من نوعه بسبب زعامة "ناصر" رحمه الله للعالم العربي ..
وبدأت الاحتجاجات في السبت الأخير من شهر فبراير إحتجاجا على كارثة الهزيمة ، والأحكام الصادرة ضد قادة الطيران ، ورأى شعب مصر أنها لا تتناسب مع حجم المصيبة التي وقعت.
وفي ظهر ذلك اليوم تجمع أمام كلية الحقوق بجامعة القاهرة عدد من الطلاب وكنت أنا وشقيقي "أحمد" من بينهم .
وبدأت الهتافات ودخلنا مدرجات الكلية وأوقفنا الدراسة بين حماس الطلاب وتصفيقهم ، وخرج حشدنا من هناك إلى كلية الآداب المواجهة للحقوق ، وانضم الطلاب إلينا على الفور ، واتجهنا جميعاً بعد ذلك إلى هندسة القاهرة ، وكان تجاوب أبناءها وأساتذتهم رائعا.
وانطلقت بعدها تظاهرة من الكليات الثلاث ومن إنضم إليهم من الطلاب في شوارع القاهرة وكنا نقابل من الأهالي بالحماس والتصفيق والزغاريد لأن مصر كلها كانت زعلانة جداً مما جرى وعايزة تغيير حقيقي ، وسرعان ما إنقلبت الهتافات إلى المطالبة بالحريات العامة وإصلاح الأوضاع ولم تعد تقتصر على إعادة محاكمة قادة الطيران ..
ووصلت الجموع إلى "مجلس الأمة" كما كان يسمى في هذا الوقت ..
وأخذنا نهتف وبعد فترة أطل من شرفة رئيس المجلس "أنور السادات" ، واشتد حماسنا ، وارتفعت هتافاتنا إلى عنان السماء ، و"السادات" يهز رأسه ويبتسم.
وكان واضحاً أنها إبتسامة غيظ منا ، وليس ترحيباً بنا !!
وبعد فترة انسحب من الشرفة ورأى بعض أساتذة الجامعات الذين كانوا برفقتنا أن التظاهرة حققت هدفها ، واكدت أن الشارع المصري كله بجانبنا ، ثم أننا أوصلنا رسالتنا إلى الحكومة ولاشك أن "السادات" سيتصل "بناصر" ليخبره بما جرى .. وعلينا الآن أن نفض التظاهرة السلمية التي انطلقت من الجامعة ولم يتعرض لنا أحد .
وغداً لنا موعد آخر.
وهذا ما جرى بالفعل ..
وعدت مع شقيقي الحبيب "أحمد" إلى منزلنا ، وكان حبيبي أبي وأمي ست الحبايب فخورين بنا ، وسعداء بما فعلناه ، وأخذت أروي لهم ما جرى بالتفصيل.
وفي المساء فوجئ والدي بمكالمة هاتفية من "السادات" ، وكان غاضبا جداً كما أخبرني أبي ، وقال له : يا "إحسان" بدلاً من كتابة القصص روح ربي أولادك .. النهاردة أنا شفتهم في مظاهرات الطلاب .. عيب !!
وكان والدي في دهشة وحزن فهذه أول مرة يكلمه "السادات" بهذه الطريقة والعلاقة به ممتدة إلى ما قبل ثورة يوليو ..
ترى كيف تصرف معنا بعد هذه المكالمة العاصفة ؟؟ ..
من فضلك انتظرني غداً لتتأكد حضرتك أنه نوعية مختلفة من الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق