بدأت في سرد ما كتبه حبيبي أبي عن مشاعره عند وفاة أمه "روزاليوسف" رحمها الله ،
وختمت الجزء الأول بالقول أن هناك مفاجأة كانت في إنتظاره عندما وصل إلى بيتها ..
إن البيت هادئ هدوءا غريباً .. هدوء له رائحة .. أول مرة أعرف للهدوء رائحة ، والذين يستقبلونني لا يبتسمون لي ، وخطوت نحو غرفتها ثم تراجعت قبل أن أصل .. لا أدري لماذا ؟
لكنني لم أستطع الدخول .. كأنه يجب أن أغسل إبتسامتي من فوق شفتي قبل أن أدخل .
ووقفت في البهو .. لا أحد يكلمني ، وفي البيت طبيب صديق جاء عفواً ، ونظرت إليه لعله يتكلم ، لكنه لم يقل شيئاً !
وسألته : هل رأيتها ؟
أجاب : نعم .. الحالة خطيرة .. هذا كل ما أستطيع قوله .
وقلت وأنا لا أفهم شيئاً : والنبض ؟؟
لا أستطيع أن أتحسسه !
تساءلت : والقلب ؟
رد قائلا: ليست معي سماعة ! لا أستطيع أن أسمعه !
"سماعة" .. هل أنت في حاجة إليها لتسمع هذا القلب ؟ .. أنا أستطيع أن أسمعه من أي مكان ، كنت أسمع دقات قلبها من "باندونج" في إندونيسيا ، ومن "بريوني" بيوغوسلافيا حينما رافقت "عبدالناصر" في زياراته إلى هناك .
وأمسكت بذراع الطبيب قائلاً في لهفة : والتنفس .. التنفس يا دكتور ؟
قال وهو يخطف ذراعه من يدي : نعم .. نعم إنها مازالت تتنفس .
وسكت .. لماذا لا أستطيع أن أصدقه ؟
وأخذت أروح وأغدو في البهو ، وأحد أفراد العائلة يدير قرص التليفون ليتعجل الطبيب الأخصائي.
وأخيراً جاء .. ودخل إليها ، وأحسست براحة مرت على قلبي كأنها نسمة عابرة ، لكن الطبيب مالبث أن خرج ، لم يمكث سوى دقيقتين .. ونظرت في وجهه متسائلاً ، وجزعي يغلب تساؤلي .
ولم يتكلم الدكتور .
وسمعت صوتاً لا أعرفه ، ولم أسمعه من قبل ، لعله ملك الموت وهو يقول : "البقية في حياتك" !
وصرخت .. هل أنا الذي صرخت .. لا أدري ، لكنني أحسست كأن شفتي قد إنفرجتا وأنطلقت منها صرخة .
البقية في حياتك .. مثل تلك الكلمة لا تقال لي !
لأنني لا أرضى ببقية حياة ، إما الحياة كاملة ، وإلا فلا أريد حياة ، وليس لي حياة كاملة إلا مع أمي ، وهرعت إليها .. جريت إليها .. إلى حياتي !
________
وغداً بإذن الله بقية هذه الحكاية المؤلمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق