عندما دخل أبي حبيبي حجرة والدته المتوفاة كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظاره ..
يقول : كانت ترقد فوق فراشها كما تعودت أن أراها ، بشرتها في لون اللبن المخلوط بعصير الورد ، وهي تبتسم .. أنني لا أتخيل ولا أبالغ .. أنها تبتسم !
إبتسامتها الصغيرة التي أعرفها جيداً .. لقد كذبوا علي .. قولي لهم يا أمي إنهم يكذبون ..
ماما .. ماما ..
ردي علي يا حبيبتي ..
إنك تكرهين الكذب ، قولي لهم ألا يكذبوا على ابنك ..
ورأيت أمي تبتسم ، ولا تتكلم !
ماما .. ماما .. أرجوك تكلمي .. قولي شيئاً .. لا يكفي أن تبتسمين .
ودخل ناس حاولوا أن يحملوني بعيداً عن أمي ..
تصديت لهم ، قمت واقفاً مهدداً ، ملوحا بيدي ومحذرا كل من يحاول الإقتراب مني ، وخرجوا ..
وأغلقت الباب وراءهم ، وعدت إليها ..
إلى أغلى ما في الوجود ..
ردي يا ماما ..
لعلك غاضبة ، هذه طريقتك عندما تغضبين مني ، لا تتحدثين معي .. ماذا فعلت ؟
لماذا أنت قاسية إلى هذا الحد ؟
(الأطباء يموتون أيضاً!)
وتنبهت إلى أنني أبكي ، أنها لم تكن تحب أن تراني باكياً ، لقد رأتني أبكي منذ سنوات ، فضربتني وقالت لي : كن رجلاً ! ومسحت دموعي ! هل رضيت الآن يا ماما ؟
لكنها لا ترد .. فقط تبتسم .
وسقطت على ركبتي بجانب فراشها ..
إن هناك رجلاً آخر في نفسي بدأ يصدق أنها ماتت ، والرجل الذي لا يصدق لا يزال موجوداً ، وكلاهما يتكلم كلاما عجيباً .. كلاما لا افهمه ، لكني أسمعه .
ودخلوا ثانية ليحملوني عنوة بعيداً عنها ، ونظرت إليهم متوسلا ..
لحظة واحدة أرجوكم ، وأمسكت باليد الكريمة الموجودة بجانب الجسد الطاهر ، وقبلتها ثم رفعتها إلى جبيني ، كما عودتها كلما ألتقينا وكلما أفترقنا .
وخرجت إلى البهو متماسكاً ، أدعي الهدوء ، لكن الرجل الذي لا يصدق لا يزال قائماً في نفسي ، وإن كان قد بدأ يبتعد ، وهو في إبتعاده يطالب بطبيب آخر ، لعل الطبيب الأول أخطأ ، لعل الدكتور الجديد يستطيع أن يفعل شيئاً .
وجاءوا بطبيب آخر مرضاة لي ، لكنه لم يصعد إليها ، سمع بالخبر قبل أن يصعد فانصرف ! .وهززت كتفي كأني أسخر .. إن الأطباء أيضاً يموتون !
كلنا نموت !
أقنعت نفسي أن أمي ماتت !
وعدت أطوف بحجرات بيتها ، وفي الحجرة التي تعودت أن تقرأ فيها وجدت نظارتها ، وأخذتها لعلي أرى بها ما كانت تراه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق