ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الاثنين، 12 سبتمبر 2022

حكايات إحسان عبد القدوس - ماما تبتسم على فراش الموت!



عندما دخل أبي حبيبي حجرة والدته المتوفاة كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظاره ..

 يقول : كانت ترقد فوق فراشها كما تعودت أن أراها ، بشرتها في لون اللبن المخلوط بعصير الورد ، وهي تبتسم .. أنني لا أتخيل ولا أبالغ .. أنها تبتسم ! 

إبتسامتها الصغيرة التي أعرفها جيداً .. لقد كذبوا علي .. قولي لهم يا أمي إنهم يكذبون ..

 ماما .. ماما .. 

ردي علي يا حبيبتي .. 

إنك تكرهين الكذب ، قولي لهم ألا يكذبوا على ابنك .. 

ورأيت أمي تبتسم ، ولا تتكلم ! 

ماما .. ماما .. أرجوك تكلمي .. قولي شيئاً .. لا يكفي أن تبتسمين .

ودخل ناس حاولوا أن يحملوني بعيداً عن أمي .. 

تصديت لهم ، قمت واقفاً مهدداً ، ملوحا بيدي ومحذرا كل من يحاول الإقتراب مني ، وخرجوا .. 

وأغلقت الباب وراءهم ، وعدت إليها .. 

إلى أغلى ما في الوجود .. 

ردي يا ماما .. 

لعلك غاضبة ، هذه طريقتك عندما تغضبين مني ، لا تتحدثين معي .. ماذا فعلت ؟ 

لماذا أنت قاسية إلى هذا الحد ؟ 

  (الأطباء يموتون أيضاً!) 

وتنبهت إلى أنني أبكي ، أنها لم تكن تحب أن تراني باكياً ، لقد رأتني أبكي منذ سنوات ، فضربتني وقالت لي : كن رجلاً ! ومسحت دموعي ! هل رضيت الآن يا ماما ؟ 

لكنها لا ترد .. فقط تبتسم .

وسقطت على ركبتي بجانب فراشها .. 

إن هناك رجلاً آخر في نفسي بدأ يصدق أنها ماتت ، والرجل الذي لا يصدق لا يزال موجوداً ، وكلاهما يتكلم كلاما عجيباً .. كلاما لا افهمه ، لكني أسمعه .

ودخلوا ثانية ليحملوني عنوة بعيداً عنها ، ونظرت إليهم متوسلا .. 

لحظة واحدة أرجوكم ، وأمسكت باليد الكريمة الموجودة بجانب الجسد الطاهر ، وقبلتها ثم رفعتها إلى جبيني ، كما عودتها كلما ألتقينا وكلما أفترقنا .

وخرجت إلى البهو متماسكاً ، أدعي الهدوء ، لكن الرجل الذي لا يصدق لا يزال قائماً في نفسي ، وإن كان قد بدأ يبتعد ، وهو في إبتعاده يطالب بطبيب آخر ، لعل الطبيب الأول أخطأ ، لعل الدكتور الجديد يستطيع أن يفعل شيئاً .

وجاءوا بطبيب آخر مرضاة لي ، لكنه لم يصعد إليها ، سمع بالخبر قبل أن يصعد فانصرف ! .وهززت كتفي كأني أسخر .. إن الأطباء أيضاً يموتون ! 

كلنا نموت ! 

أقنعت نفسي أن أمي ماتت ! 

وعدت أطوف بحجرات بيتها ، وفي الحجرة التي تعودت أن تقرأ فيها وجدت نظارتها ، وأخذتها لعلي أرى بها ما كانت تراه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق