ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الجمعة، 10 يونيو 2022

حكايات إحسان عبد القدوس - ٣ في ذكرى كارثة يونيو: الهزيمة إسمها فاطمة!!



حبيبي أبي أشتهر بعناوين قصصه الملفتة للنظر جداً ، ومعظمها تتوقف عندها طويلاً .. عنوان قصته جديد ويشدك الى قراءة ما كتبه .. 

والقصة التي بين أيدينا نموذج لذلك: "الهزيمة إسمها" فاطمة " وأراه عنوان دقيق جداً للمصيبة التي حلت بمصر كلها ممثلة في تلك المرأة .. 

وأظن أن والدي رحمه الله نقل قصتها كما هي ودون تدخل من خياله كما يفعل مع قصصه .. 

حكايتها أقوى من كل خيال .. ويمكن تقسيم حياتها إلى أقسام أربع .. 

١- حياتها قبل حرب ١٩٦٧ في إحدى مدن القناة.. إنسانة  سعيدة بزوجها وأولادها تعيش في شقة واسعة.. محبوبة من الجميع ، فهي إنسانة إجتماعية تحب الفرفشة والسينما وقراءة القصص! 

٢- وبدأت الحرب .. وكل شيء حولها تغير ، ولكن لا هي ولا أحد ممن حولها يستطيع أن يتصور ما يمكن أن يحدث .. لا يمكن أن يحدث أكثر مما حدث في الحرب الماضية ، ولا أكثر مما سمعته عن أحداث الحروب القديمة.. حتى الغارات الجوية التي انصبت فوق المدينة لا تستطيع أن تتصور نهايتها .. أنها تحمل أولادها وتشد أمها وتذهب بهم إلى الدور الأرضي ، وأحياناً كثيرة لا تتحرك من مكانها ساعة الغارة.. ولا يهمك يا بت .. خليها على الله.. وزوجها لا يزال يخرج في الصباح إلى عمله ليعود في المساء.. كل شيء يمكن أن يستمر كما هو إلى أن يسكت هذا الضجيج.. 

ويسكت الضجيج.. 

ومرت أيام هادئة..

انتهت الحرب .. 

وبدأت تحاول أن تعود إلى حياتها العادية .. أنها تسمع حكايات.. وترى أشياء كثيرة تحدث في المدينة.. ولا تفهم شيئاً ، ولا تحاول أن تفهم .. ليس من اختصاصها أن تفهم .. إن قلبها يتمزق وهي تسمع الحكايات عما حدث للرجال وتبكي في صمت وهي ترى شهيداً أو جريحاً ينقلونه عبر المدينة.. ولكنها لا تفهم لماذا حدث كل هذا ، ولا ماذا كان يمكن أن يحدث بعد هذا.. وجاءت المصيبة التي لم تتوقعها .. أنهم يريدونها أن تترك البيت هي و أولادهما .. لماذا .. أنه بيتي .. بيتي أنا .. لا يستطيع أحد أن يأخذني من بيتي أو يأخذ بيتي مني .. وقد أصبحت المدينة منطقة عسكرية ، هم يريدون أن يحموا حياتك وحياة أولادك ، إنك هنا في انتظار الموت ، دعوني .. دعوني.. إنتظار الموت في بيتي أرحم من انتظاره في العراء .. وزوجها يحاول أن يقنعها ، أنها لا تستطيع أن تختار ، أنها أوامر الحكومة ، ثم إنهم لن يغيبوا عن البيت طويلاً.. أسبوع.. شهر على الأكثر.

لا تأخذي معك إلا ما تحتاجين إليه في حياتك اليومية..

هكذا قال لها زوجها..

ولم تنس أن تأخذ معها الكردان والسوارين الذهب ..

وجمعت البنت والولد ومعهما أمها ، وخرجوا من البيت يتقدمهم زوجها إلى حيث تبدأ الرحلة.. 

أين إخوتها..

أنهم مع أولاد الجيران .. 

وأبوها..

لقد اختفى .. لا أحد يعرف أين .. قد يلحق بهم فيما بعد .. 

٣- وأركبوهم في سيارة نقل .. عشرات السيارات والناس تتزاحم ويضيع بعضها من بعض .. ووجدت نفسها في سيارة ومعها أمها والبنت والولد وزوجها وأبوها لم يظهر بعد.. وأخوتها في سيارة أخرى.. إنها تستطيع أن تراهم ، ولكن بعد فترة من المسير لم تعد تراهم .. ضاعوا عن عينيها .. وهي لا تدري إلى أين يأخذونها .. ولا تحاول أن تدري .. إن كل ما يشغل بالها هو البيت .. بيتها .. 

وانتهى بهم المطاف إلى مدرسة في قرية بالقرب من الزقازيق.. لقد وضعوها هي وعائلتها ومعهم ثلاث عائلات أخرى داخل صالة واحدة من بناء المدرسة وتركوهم ينظمون حياتهم داخل هذه الصالة الواحدة .. هي وزوجها وأمها والبنت والولد في ركن .. وتذكرت بيتها الواسع .. وصمت مرير  حزين يخيم على الجميع .. وأصبح هم كل أسرة من العائلات الأربعة أن تستر نفسها بستار من الخيش أو الحصير أو القماش .. الحياة صعبة جداً .. وبعد أسابيع قرر الزوج أن يترك المكان ويبحث عن عمل وخرج ولم يعد!! 

وكان أبوها قد اختفى من قبل كما اختفى أخوها بعده.

٤_ ظروفها المعيشية تزداد قسوة يوماً بعد يوم.. وفي القصة تفاصيل كثيرة عما يحدث لها ، وضاقت ولم تعد تحتمل ، وكما قرر زوجها أن يهاجر قررت هي أيضاً أن تهاجر لتبحث عن عمل .. وانطلقت إلى القاهرة تاركة الولد والبنت في رعاية أمها .. أنها تستطيع أن تكون خادمة أو مربية أطفال أو طباخة .. لكنها تاهت في شوارع العاصمة.. وفشلت في أن تجد عمل شريف واضطرت تحت ضغط الحاجة أن تبيع جسدها مقابل المال ، وضميرها يصرخ إحتجاجا .. وما زالت تقاوم .. الهزيمة إسمها "فاطمة "!! 

وقد نشر حبيبي أبي قصتها أوائل السبعينات من القرن العشرين قبيل حرب أكتوبر وأحدث ضجة كبرى .. وبعد تحرير سيناء سألوه في حوار صحفي عن مصير "فاطمة" .. 

قال: لا أعلم عنها شيئاً.. لقد اختفت بعد لقائي معها ، وحاولت البحث عنها دون جدوى ولعلها تكون قد نجحت في الوقوف على قدميها من جديد كما فعلت مصر في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣.

ملحوظة: هذه القصة إحدى الروايات القليلة جداً لحبيبي ابي التي لم تظهر في عمل فني سينما أو مسلسل تلفزيوني لم يجرؤ أحد على تقديمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق