ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

الخميس، 9 يونيو 2022

حكايات إحسان عبد القدوس - ٢. في ذكرى كارثة الهزيمة: لقاء مع قارئة كشف حجم المصيبة!!



من أهم المصادر التي أعتمد عليها حبيبي أبي في قصصه ورواياته إعترافات القراء ، الواحد منهم كان يلتقي به وخصوصا من الجنس الناعم! 

وتفضي له بأسرار عن حياتها الشخصية لا يعلمها أحد ولا حتى أقرب المقربين لها.

وينطلق خيال الكاتب الكبير بعد ذلك ليصوغ ذلك كله في قصص وروايات ممتعة! 

وتلك القارئة التي قابلها والدي رحمه الله بعد كارثة يونيو بسنتين مختلفة عن غيرها .. حكايتها أقوى وأكبر من أي خيال ، وهي لا تتعلق فقط بما جرى لها في حياتها الشخصية بسبب حرب ١٩٦٧ ، بل تمثل في شخصها محنة الوطن كله ، والمصيبة التي حلت به بسبب الهزيمة!! 

وهو جانب خفي من تلك المأساة لم يكن حبيبي أبي يعلم عنها شئ حتى إلتقى بهذه القارئة التي تختلف عن كل المعجبين الذين قابلهم في حياته.

وكان اللقاء عام ١٩٦٩ بعدما من الله عليه بالشفاء من الحادث الرهيب الذي وقع له في أبريل عام ١٩٦٨ عندما أطاحت به سيارة يقودها شاب "ألماني" وهو يعبر الطريق بالقرب من بيته "بالزمالك".

وكان عنده وقتها حالة من الإكتئاب والحزن على ما يجري في بلادنا ومنعه من الكتابة ، ونقل إلى المستشفى في حالة سيئة ، واحتاج الأمر لشهور طويلة حتى تلتئم جراحه ويعود إلى حياته العادية ونشاطه الطبيعي.

وبعدما إسترد كامل صحته عاد إلى معجبيه مرة أخرى وكان هذا اللقاء .. 

وأهدي لحضرتك إنطباعاته .. 

يقول في ذلك:

كانت "فاطمة قد أتصلت بتليفون البيت أكثر من مرة تطلب مقابلتي ، وعندما يسألونها من هي تقول إنها من "مهاجري القناة" .. وترددت طويلاً قبل أن أحدد موعداً "لفاطمة" .. 

وكنت زمان _ أيام شبابي. . أرحب بلقاء كل من لا أعرفهم ، وكنت أسميهم أصدقاء قراءة واستماع ، هم يقرأون لي وأنا أستمع إليهم ، وكانت أغلبية من يلقاني من قراء القصة ، كل منهم يعتبر نفسه قصة ، وكنت أستمع إلى كل منهم وأنا أعلم أنه لن يستفيد كثيراً برأيي . . وربما لا ينتظر رأيي ، إنما كنت أستمع له كنوع من العلاج النفسي أريحه به .. فإن الإفراج عن الأسرار الخاصة التي يختزنها الإنسان في صدره ، حتى بمجرد الكلام ، يؤدي إلى راحة .. راحة عميقة .. وقد إستمعت إلى أسرار أعتقد أنها لا يمكن أن تقال لأب أو لأم ، أو لصديق أو صديقة ، إنما قد تقال لطبيب نفسي ، أو لكاتب غريب تقرأ له .. إلى أن بدأت مرحلة الإنعزال ، وهو إنعزال قادني إليه أني لست أصلا إنسانا إجتماعيا له القدرة على مزاولة فن الإتصالات الإجتماعية ، ثم أن "الشحططة" التي أصبت بها مع قلمي ، والإجراءات الغريبة التي سلطت علي ، كل ذلك دفعني إلى الإنعزال أكثر ، ولم أكن في عزلتي أعتقد أني أحمي نفسي فحسب ، بل كنت أعتقد أني أحمي أيضاً كل من يحاول لقائي ، فقد كان كل لقاء يفسر أيامها تفسيراً سياسياً متعمداً قد ينتهي بإجراء ظالم .. 

وإنعزلت حتى عن أصدقاء القراءة والاستماع.. وبرغم أن كل ذلك تغير ، وانفتح الناس بعضهم على بعض ، 

إلا أني _ خلاص _ تعودت عزلتي وأصبحت سعيداً مكتفياً بها.

و"فاطمة" تلح في لقائي .. 

لا شك أنها تعيش قصة محملة بأسرار تريد أن تستريح منها.. 

وقاومت عزلتي ، وحددت لها موعداً.. 

وقبل أن تأتي "فاطمة" إلي ، راجعت كل معلوماتي عن مجتمع "مهاجري القناة" حتى أعيش القصة التي يمكن أن ترويها لي 

إلى أن جاءت.. 

إنها شابة ، لعلها في حوالي الثلاثين من العمر .. ووجهها لا يشدك إليها، ولا ينفرك منها .. إنه وجه خطوطه عادية، وإن كانت تشوبه صفرة ، وتتغلب عليه ملامح الإستسلام الحزين ، كأنه وجه فلاحة ماتت بقرتها منذ شهور.. ويبدو أنها لم تبذل جهداً متعمداً في تصفيف وتنسيق شعرها ، وثوبها رخيص يبدو فوق قوامها المتسق كأنها لم تنتقه، أو كأنه ليس ثوبها.. وهي تبدو حائرة مترددة ولعلها مندهشة من الاحترام الطبيعي الذي تستقبل به .. إنها لا تجلس على المقعد إلا بعد أن أدعوها أكثر من مرة إلى الجلوس، وتتردد قبل أن تمد يدها لإلتقاط كوب العصير الذي يقدم إليها إلى حد أن ترتعش يدها ، ثم تنتفض واقفة في إرتباك عندما دخلت زوجتي لترحب بها قبل أن تتركنا وحدنا لأستمع إليها ، رأسها منكس، وعيناها ملتصقتان بالأرض، ولم تمد يدها لتصافح زوجتي، كأن هذا ليس من حقها ، إلى أن مدت زوجتي يدها إليها .. 

وترددت "فاطمة" طويلاً قبل أن تبدأ في رواية حكايتها.. بل إنها لم تكن تعرف من أين تبدأ.. ضائعة بين كل أيام حياتها وأنا ضائع معها ، إلى أن اضطررت _ وهو ما يحدث مع كل لقاء لي _ أن أحدد لها من أين تبدأ .. 

ومع حكايتها بدأت أراها من جديد .. إني أعرفها .. أعرفها شخصيا منذ أكثر من عام .. 

إنها الهزيمة .. 

"فاطمة" هي الهزيمة .. 

الهزيمة في صورتها التي تجاهلناها ، أو التي حجبت عنا حتى لا نزداد إنهيارا .. 

صورة المجتمع المهزوم..

ترى ماذا قالت له .. 

وما هي مأساتها ؟؟ 

من فضلك أنتظرني ..

هناك تعليق واحد:

  1. ما اري الا لها ماساه حلت وماساه ستحل ولها الله

    ردحذف