ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

ملخص السيرة الذاتية – محمد عبد القدوس

محمد عبد القدوس إحسان عبد القدوس كاتب وصحفي وأحد رموز ثورة يناير عام 2011 عضو فاعل في نقابة الصحفيين – استمرت عضويته في مجلس نقابة الصحفيين ...

السبت، 20 يونيو 2020

عجائب عبد القدوس - مقال أعد للنشر ولم ينشر بقلم إحسان عبدالقدوس.. أغسطس 1980


صاح الشاب ثائرا : 
هل سمعت.. لقدد قرروا وقف وتشطيب كل التجمعات الإسلامية داخل الجامعة أبتداء من الموسم القادم.. وقال العجوز في هدوء : ليست هناك قوة تستطيع وقف أو تشطيب الإسلام. 
وقال الشاب وهو لا يزال ثائرا : إنهم لا يحاربون الإسلام ، لكنهم يحاربون التجمعات أو الهيئات أو الأحزاب الإسلامية.
وقال العجوز وهو غارق في الهدوء: كلنا مسلمون ولا يمكنهم إلغاؤنا أو محاربتنا كلنا. 
وقال الشاب في حدة: يا أخينا أفهمني.. أنا لا أقصد الإسلام.. ولكنني أقصد التجمعات التي تقوم باسم الإسلام والتي تقرر وقفها. 
وقال العجوز ساخرا: إن التجمعات التي تقوم باسم الإسلام كالتجمعات التي تقوم بأي اسم أخر.. كالتجمعات الماركسية أو الرأسمالية أو التجمعات الحزبية أو حتى تجمعات الكفرة.. والحكومة تقدر موقف كل تجمع.. فإذا كان تجمعا يقف ضدها حاربته وأوقفته إلى أن تشطب عليه.. أما إذا كان تجمعا يقف معها حتى لو لم يكن منها فأهلا وسهلا به.. والحكومة تجامل هذا التجمع وتحابيه وقد تختار من بين أعضائه وزراء يعملون معها حتى لو كانوا من أعضاء حزب الكفرة.. وهذا هو ما سيطبق على التجمعات التي تقوم باسم الإسلام.. فإذا كان بينها تجمع يقف مؤيدا للحكومة وللنظام القائم فإنه يترك حرا في نشاطه وفي تحركاته، أما إذا كان تجمعا معارضا إلى حد المطالبة بالثورة فإن الحكومة لا تطيقه وتقرر القضاء عليه. 
وقال الشاب وهو يبحلق في وجه العجوز ساخطا: إن هذه التجمعات لا تهمها الحكومة حتى تتخذ موقفا منها.. كل ما يهمها هو فرض تطبيق تعاليم الدين الإسلامي.. وقال العجوز دون أن يتأثر بسخط الشاب : لأنه ليس من بينهم نبي يستطيع أن يدعي أنه مرسل من لدى الله ويتحدث باسم الله.. والأديان.. كل الأديان حتى الأديان التي لم تنزل كالبوذية والهندوكية.. يمكن أن تكون أداة تضليل وخداع للشعوب البريئة الفقيرة.. وقد قامت من بين هذه الأديان جماعات مجنونة أجرمت في حق الشعوب وفي مصير الوطن. 
وقال الشاب وكأنه يبصق كلماته في وجه العجوز: أنك تؤمن بما تنادي به كل الحكومات وهو التفريق بين السياسة والدين.. لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. 
وقال العجوز مقاطعا وبسرعة: أبداً.. إن الدين لا يمكن إبعاده عن السياسة.. إن الدين هو الذي يشكل العمود الفقري في شخصية الفرد.. وهذه الشخصية هي التي تتحكم في الفكر السياسي.. ولكن الفكر السياسي لا يؤدي إلى حركة دينية ، لكنه يؤدي إلى حركة وطنية يتطلبها الوطن.. وهذا هو السبب في أن كل الحركات الوطنية التي حققت أهدافها قامت على وحدة شعبية تضم جميع الأديان.. كالحرب العالمية التي إنتهت بالنصر، لقد ضمت جميع الأديان.. الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية وكان كل من فيها يحارب وهو مؤمن بدينه. 
وصاح الشاب صارخا: إنك لا تريد أن تعترف بالواقع.. إن كل شعب يتحرك باسم الدين ويطالب لنفسه بدولة باسم الدين.. أسأل نفسك كيف قامت إسرائيل.. لقد قامت باسم الدين اليهودي.. والحركة الصهيونية حصرت كل نشاطها في التحدث والتحرك باسم الدين.. فكيف لا تريدنا أن تقوم دعوتنا وتتحدد تحركاتنا على أساس الدين.. الدين الإسلامي.. ثم ما سر مصائب لبنان.. إن هناك حربا بين الأديان ، بل إنها تصل إلى حرب بين مذاهب الدين الواحد.. كما في سوريا والعراق.. إن الدين هو كل شيء.. هو كل السياسة. 
وقال العجوز وهو يهز رأسه حسرة على عقلية الشاب: إن الدين يدعو إلى تحمل المسئولية الوطنية.. وأي تحرك يتناقض مع المسئولية الوطنية يفشل ولا يباركه الدين.. كالحروب الصليبية لقد بدأت باسم الدين ، لكنها كانت تتعارض مع المسئولية الوطنية ومع حق الشعوب في أوطانهم.. ولذلك لم يبارك الدين المسيحي الحروب الصليبية وتخلى عنها بعد أن أستمرت مائتي عام.. وأنا أعتقد أن إسرائيل ستنتهي أيضاً ولو بعد مائتي عام لأنها إستغلت الدين لتحقيق أطماع استعمارية بدليل أن حكامها يضطهدون أهلها الذين ينتمون إلى أصل شرقي رغم أنهم من اليهود المؤمنين بالدين اليهودي.. وكذلك الحال في لبنان وسوريا والعراق .. لن تسكت الحروب هناك إلا إذا دفع الدين الشعوب إلى التمسك بالوطنية ومطالب الوطن. 
وصرخ الشاب: إن الخوميني قام بثورة باسم الدين.. باسم الإسلام.. واستطاع أن ينتصر وأن يفرض تعاليم الدين على شعب إيران. 
وقال العجوز مبتسما يحاول بابتسامته أن يهدئ من ثورة الشاب: لقد قلت لك أن ثورة الخوميني ليست ثورة من أجل الدين، ولكنها ثورة من أجل التخلص من مآسي حكم الشاه.. لو كانت ثورة من أجل الدين لاستطاع الشاه أن يقيم احتفالا كل أسبوع بصلاة الجمعة ويزيد من ساعات إرسال البرامج الدينية الإسلامية في الإذاعة والتلفزيون.. وبذلك يقضي على الثورة.. ولكنها لم تكن ثورة من أجل الدين.. ولكنها كانت ثورة على الحكم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق